[من آداب التلاوة: القراءة من المصحف إذا لم يشغل عن التدبر]
ومن بعض الآداب التي ذكرها بعض أهل العلم أيضاً مسألة القراءة في المصحف أو القراءة من الحفظ أيهما أفضل للتالي: أن يقرأ من المصحف أو يقرأ من حفظه؟ جاء مدح القراءة من المصحف في حديثٍ صحيحٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (من سرَّه أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف) وصححه الشيخ ناصر، وهذا يدل على فضل القراءة في المصحف.
وقال بعضهم في الترجيح: هل القراءة من المصحف أفضل أو على ظهر قلب؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن القراءة من المصحف أفضل؛ لأن النظر فيه عبادة، فيجتمع القراءة والنظر، وأن استعمال الحاسة -حاسة العين- زيادة على اللسان وإخراج الصوت هذا الاستعمال لهذه الحاسة فيه أجر زائد عن عدم استخدام هذه الحاسة.
ولا شك أنه قد ثبت عن بعض الصحابة كـ عثمان رضي الله عنه أنه كان يقرأ في المصحف، حتى قيل: إنه خرق مصحفين، أي: من كثرة استعماله للمصحف تخرق المصحف، وأخذ مصحفاً أخر وهكذا، وقتل رضي الله عنه ودمه على المصحف.
القول الثاني: أن القراءة عن ظهر قلب أفضل، وهو اختيار أبو محمد العز بن عبد السلام رحمه الله، فقال في أماليه: قيل: القراءة في المصحف أفضل، لأنه يجمع فعل الجارحتين، وهي: اللسان والعين، والأجر على قدر المشقة، وهذا باطل -هذا رأيه رحمه الله- لأن المقصود من القراءة التدبر؛ لقوله تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩] والعادةُ تشهد أن النظر في المصحف يُخل بهذا المفهوم فكان مرجوحاً.
أي: هو يرى رحمه الله أن القراءة في المصحف يُخالف التدبر؛ لأنه يتدبر أكثر إذا كان يقرأ من حفظه، أي: يركز أكثر.
القول الثالث: وهو اختيار النووي رحمه الله: إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من القراءة في المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، قال: وهو مراد السلف.
ولا شك أن من فوائد القراءة في المصحف: ١ - اشغال جارحة العين عن النظر إلى غير المصحف، لأنه ربما إذا لم ينظر في المصحف نظر إلى غير المصحف.
٢ - وكذلك قالوا: إن لمس المصحف فيه داعي إلى الوضوء بخلاف إذا قرأ من حفظه فإنه لا يحتاج أصلاً إلى المصحف حتى يمسه.
٣ - وكذلك قالوا: إنه أأمن من الغلط والتحريف؛ لأنه إذا قرأ من حفظه فيمكن أن يغلط فيه كآيه حفظها خطأً، ولكن إذا قرأ من المصحف بالتأكيد تكون القراءة مضبوطة، لأنه يقرأ من شيءٍ مكتوب، بخلاف الذاكرة التي يعتريها ما يعتريها.
٤ - وقالوا: إن فيه تكفير للنظر المحرم التي ارتكبته العين.
وعلى أية حال، فالمسألة قد تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
فإذا كان يتدبر أكثر، فلو قرأ من حفظه فليقرأ من حفظه، وإذا كان يخشى الله أكثر لو قرأ من المصحف يقرأ من المصحف، وإذا كان في مكان ليس فيه مصحف فيقرأ من حفظه، وإذا كان في مسجدٍ وعنده مصحف قرأ من المصحف.
إذاً: فالمسألة في هذا واسعة إن شاء الله، وهذا طرف من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.