للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحري أحسن الأوقات والأماكن عند إهداء الهدية]

وإذا أراد الإنسان أن يُهدي أخاه هدية، فإنه يتحرى أحسن الأوقات والأماكن، ليهدي إليه حتى تصبح أعظم، وحتى تصبح أوقع في النفس، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض.

وقالت عائشة: [كان الناس يتحرون بهداياهم اليوم الذي يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم].

فإذاً: الهدية إذا كانت في يوم مُفضل أو ساعة أو مكان معين أو ظرف معين عند المهدى إليه تكون أوقع في النفس وأحسن، فهذا من آداب الهدية.

وقد حدثت قصة طويلة في هذا الباب رواها البخاري رحمه الله في كتاب الهبة وفي كتاب المناقب، وملخص هذه الهدية أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة فاجتمع صواحبي - تقول عائشة - إلى أم سلمة فقلن: (يا أم سلمة! والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريد عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار -لا يتقصدون عائشة - قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة، فإنه -والله- ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) وهذا من فضلها رضي الله عنها.

وجاء في رواية أخرى: (أنهن وسطن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر، فكلمته فقال: يا بنية! ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى.

فرجعت إليهن فاطمة) ثم أنه ليس من المناسب للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول: يا أيها الناس! أهدوني في بيت فلان وفلان.

فعلى أية حال: النبي عليه الصلاة والسلام كان يُحب أن يهدى إليه وهو في بيت عائشة؛ لأنه يحب عائشة رضي الله عنها، وأن تأتيه الهدية في هذا البيت يكون موقعها أجمل وأحسن، على أنه ينبغي على الإنسان المتزوج بأكثر من زوجة أن يراعي مسألة الغيرة أشد المراعاة حتى لا تتفاقم المشكلات وتعظم، ويكون هذا من أسباب القطيعة، أو من أسباب تنغيص عيشه في بيته مع زوجاته، وقد جاءت قصة حفصة مع النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يحب العسل والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من أحدهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، تقول عائشة: فغرت، لماذا أطال عند حفصة أكثر من المعتاد؟ فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكةً من عسل فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة فقلت: أما والله لنحتالن له، وجاءت قصة العرفط والمغافير التي حصلت من حيلة عائشة رضي الله عنها، فالإنسان على أية حال يحتاج أن ينتبه إلى مسألة الغيرة بين الزوجات، ولا يكون هو سبب الشر، أو يكون هو مفتاح الشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>