وقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}[النور:٢٧] معنى ذلك: أن الإنسان يدخل بيته متى ما شاء، وقد يسكن ملكه ويسكن في غير ملكه، فليست الإضافة هنا اختصاص الملك، فلو أنك استأجرت بيتاً، فهل يدخل في قوله تعالى:((بيوتكم))؟ نعم.
فهو بيت لك سواء استأجرته أو كان ملكاً لك، فتدخل فيها في أي وقتٍ ما دام بيتك، وقوله سبحانه:((تَسْتَأْنِسُوا)) الاستئناس: من آنس شيئاً إذا أبصره ظاهراً أو مكشوفاً أو إذا علمه، وهذا الاستكشاف: هو العلم يكون بالاستئذان، وقد يكون الاستئناس ضد الاستيحاش، لأن الذي يقرع باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له زالت الوحشة، وكذلك فإن الاستئناس يفيد الاستئذان وزيادة:(تستأنسوا) ليس فقط معناها: تستأذنوا، فهي أعلى من الاستئذان، حتى تستشعروا أنس أهل البيت بكم، ففيها إشارة لطيفة إلى أن الزائر لا ينبغي أن يدخل إذا تبين له من حال صاحب البيت أنه لا يرغب في دخوله ولو صرح لك بالإذن، فإن بعض الناس يأذنون لكن على كره ومضض، فلما قال الله:{حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}[النور:٢٧] عرفنا أن المسألة لابد أن يكون فيها أنس وليس مجرد الإذن؛ لأنه قد يحرج، فبعض الناس إذا استأذنت عليه يتردد يقول: تفضل ولكن لم تخرج من نفسٍ طيبة، فإذا كان كذلك لا تدخل لأن الله قال:(حتى تستأنسوا) فيحصل الأنس، فإذا أحسست أنه لم يحصل أنسٌ فلا تدخل.
وحتى في مسألة أخذ المال، ما أخذ على وجه الحياء فهو حرام وإن كان أعطاك وسلمك بيده، لَكنْ فيه إحراج، وقع عليه الأمر وقعاً شديداً لا يملك إلا أن يأذن مرغماً، فهذا لا يدل على أنه خرج بطيب نفسٍ منه:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور:٢٧]-أي: الاستئناس- أو التسليم خير من أن تدخلوا بغتةً.