[آداب أخرى ونصائح توجيهية في آداب الحديث]
ولا تذم اسماً من أسماء الرجال أو النساء إلا ما ذمه الشرع بأن تقول: هذا قبيح من الأسماء، لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء قومه وأهله، ولا تستصغرن من هذا شيئاً، فكل ذلك يجرح النفس، وجرح اللسان أشد من جرح اليد.
ومن الآداب: لا تتحدث عن نفسك إلا لحاجة، ولا عن أولادك ولا أموالك ولا عن الدعوات التي تلقيتها ورفضتها إلخ؛ لأن هذا ليس من التواضع.
وكذلك إظهار الاهتمام بمن تحدثه، فأصغ إليه، وأعره انتباهك، وأعطه إحساساً بأن له قيمة ووزناً، وفي موضع الجدال والمناقشة كن واسع الصدر، ولا تستأثر بالكلام وامنح الفرصة للآخرين للكلام؛ لأن بعض الناس لا يتركون فرصة للناس في المجلس بل يستأثرون به، وهذا من الكبر.
ووزع النظرات على من تحدثهم، وتخلل الحديث بفترات إصغاء إلى الآخرين تعينك على ترتيب أفكارك؛ لأن الذي يعين على ترتيب الأفكار هو الصمت وليس الكلام، فإن الله خلق لك أذنين اثنتين ولساناً واحداً ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به، وجعل الله لكل شيء بابين وجعل للسان أربعة أبواب، وهي الشفتين والأسنان؛ لكي ينحبس اللسان، ومع ذلك أسرع شيء يخرج من السجن هو هذا
وزن الكلام إذا نطقت فإنما يبدي عيوب ذوي العيوب المنطق
وعدم خلط الجد بالهزل، والتفكير في أنسب العبارات وأحسن الألفاظ، ومراعاة مخارج الحروف والألفاظ دون تكلف وتخلل كالبقر، وعدم الإسراف في المدح والذم.
وليكن صوتك هادئاً مسموعاً بوضوح دون ارتفاع أو صياح، ويحسن ألاَّ يكون على وتيرة واحدة فيمل السامع، وعدم التعالي والأستاذية، وكثيراً ما يكون الحديث طريفاً في موضوعه ومقبولاً، ولكن الإطالة وكثرة الثرثرة فيه تضعفه.
والمحادثة شيء والخطابة شيء آخر، فلا يصلح أن يتحول الحديث إلى خطبة دون داع.
والمناقشة الهادئة من أمتع أنواع الحديث طالما تحلى الطرفان بالأدب الإسلامي، ولهذا تفصيل سيأتي.
وإياك والحديث في موضوع لا تتقنه.
وتجنب الغمزات واللمزات، وإخراج اللسان أثناء الحديث والشهيق والتأفف.
وكثير من الناس يتأثرون باللهجة أكثر مما يتأثرون بالمدلول الحرفي للألفاظ، فاحرص على صدق اللهجة.
وعدم الإسراع في الحديث فتأكل نصف الألفاظ، وتترك الجمل للسامع دون إكمال، فإن هذا مذموم.
وعدم الإبطاء الشديد المسبب للملل كأنك إنما تعطيهم بالقطارة، وبعض الذين يبحثون في هذه المسائل يقولون: إن حدود السرعة الطبيعية في الكلام مائة وعشرين كلمة في الدقيقة، فكم سيئة علينا ونحن نتكلم كذا وكذا كلمة في الساعات؟! وإياك والكلام أثناء الغضب؛ فإن الغضبان تنهال عباراته في سرعة تدمر بعض المقاطع مما يعصف بوضوح الكلام، ويثير المستمع.
وسجل صوتك مرة لتعلم خطأك من صوابك؛ فتدرك كم سجل الملك عليك في صحيفتك.
وإذا لاحظت أن مستمعيك يستعيدونك بعض العبارات، فمعنى ذلك: أن صوتك أو مخارج الحروف أو درجة الكلام ومستواه غير مناسب.
وإذا كانوا يقاطعون حديثك؛ فاعلم أن كلامك ممل.
وحاول أن تقرأ بصوت مرتفع لتتدرب على الحديث والكلام، وأنت تقرأ لوحدك.
وليس أفسد لأجواء الاجتماعات من انقسام الناس أزواجاً يتحدث كل اثنين مع بعضهما، فيقل الانتفاع بدلاً من توحيد المجلس على مستمع واحد، ويدور الكلام بينهم.
ولكل مناسبة حديثها المناسب، فكلام الدرس غير كلام الزيارة أو الطعام أو الزوجين وهكذا.
والتمهيد لذكر الموضوعات المحرجة بكلمة مثل كلمة: لا مؤاخذة مثلاً.
وإعطاء الحاضرين قدرهم وإشعارهم بقيمتهم عندك، مثل قولك: كما تفضل فلان، أو مثلما ذكر الأخ فلان، أو إضافة إلى ما ذكر أخي فلان، وهذه نقطة جيدة، أو هذه إضافة بسيطة على ما ذكر، ونحو ذلك.
وحذار من الإطراء الزائد، فإنك إذا أطريت فقد خالفت السنة في المدح أولاً، وثانياً: تبين أنك منافق وكذاب، فإذا قال أحد كلمة، قلت: هذه فائدة عظيمة وكبيرة وهائلة وجميلة وذات وزن ولا مثيل لها!! أو أن يقال كما يحدث في بعض المجالس من النفاق: أنت رأس المال في هذه البلد، ونحن أيتام من غيرك! التخطئة في الحديث لها آداب: كما يقول إنسان مثلاً: اسمح لي أن أعلق على شيء، أو من منا لا يخطئ لكن هنا حصل خطأ، وإن كان تعليقي خطأ فأرجو أن تصحح لي، وإذا كان فهمي لكلامك غير ما تقصد فأرجو التوضيح منك ونحو ذلك، فالتخطئة للآخرين لها آداب.
وكثيرون يبدءون بداية جيدة، ثم يسيئون كثيراً، فيقول: اسمح لي، أو مع تقديري واحترامي لك، أو يا عزيزي، ثم ينزل عليه بكلام شديد جداً.
وكذلك نحرص على التلميح بدلاً من المواجهة ما أمكن، ونتجنب الكلمات النابية والألفاظ السوقية.
الإصغاء والاستماع للآخرين، وهذا فن بحد ذاته، سئل أحد الأطباء الناجحين عن أهم أسباب نجاحه فقال: الإصغاء والاستماع؛ فإن كثيراً من المرضى يأتون إليَّ لا لكونهم مرضى حقيقة، ولكن لأنهم يريدون مستمعاً يصغي إلى شكواهم وتضايقاتهم النفسية؛ ولذلك تجد بعض الإخوة الجيدين إذا جاء أحدٌ يتكلم في مجلس يأخذ ورقة وينصت، ويسجل الكلمات المهمة التي تستفاد أو تحتاج إلى تعقيب مثلاً.
ونحن نسمع ولا ننصت، وهناك فرق بين الاستماع والإنصات، فالإنصات حضور القلب، أما السماع فهو وصول الصوت إلى الأذن؛ ولذلك نحن -أحياناً- نعيد ما قاله الآخرون في المجلس نفسه مرة أخرى ونكرره، وهذا التكرار نتيجةً لعدم الانتباه والإنصات، ولو قلنا الآن: يا أيها الإخوة! أعيدوا لنا هذه النقاط، فتجد بعض الناس يعيدون الجملة التي قالها شخص، لأنه لم يكن منتبهاً ولا منصتاً لما تكلم الآخر، وهو يتذكر ويفكر في شيء، لكنه لا ينصت إلى كلام غيره؛ ولذلك يتذكر الفائدة فيقولها وغيره قد قالها قبل قليل، ولذلك فإن سبب التكرار في المجالس هو عدم الإنصات والانتباه.
وأقبل بوجهك على من تحدثه، والمقاطعة تجرح شعور محدثك، فإذا أردت أن يستمع إليك الآخرون، فأحسن الإنصات إليهم.
ولا تتكلم وفمك مملوء بالطعام، ولا تسل من فمه مملوء بالطعام؛ لأن فيه إحراجاً له.
وفي المناقشات على المسلم أن يهتم بما يلي:- أولاً: قصد وجه الله تعالى، وإظهار الحق.
ثانياً: التمهل قبل الإجابة على كلام الطرف الآخر.
ثالثاً: عدم الإصرار على الرأي والمعاندة.
رابعاً: ترك المبالغة، ولا بد من الواقعية.
خامساً: ليس المقصود تبيان صوابك، ولكن -أيضاً- حفظ ماء وجه صاحبك.
والمحافظة على كرامته تشجعه بالاعتراف والعدول عن رأيه.
سادساً: أن يكون للمجلس رئيس يشجع الجميع على الاشتراك الفعلي، ويعطي الجميع فرصة للكلام، ويلتزم الحياد، ويمنع المقاطعات، ويفتتح الجلسة بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ويمهد لعرض الموضوع المراد طرحه ومناقشته وعناصر ذلك، ويختتم الجلسة بآراء المؤيدين للفكرة والمعارضين لها، والرأي الراجح.