للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من آداب المسجد: تسوية الصفوف]

ومن آداب حضور المسجد: الصلاة فيه وتسوية الصفوف إذا أقيمت الصلاة، والاعتناء بذلك عناية بالغة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)، وفي رواية: (من إقامة الصلاة)، وفي رواية: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم).

وقوله: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) إذاً قول الإمام: سووا صفوفكم أو استووا سنة، ولو لم يكن له حاجة فلا داعي أن يتكلم، لو نظر إليهم فرآهم مستوين، فلا حاجة إلى التنبيه، لكن إذا رأى تقدماً وتأخراً وخلخلة وفراغات في الصف، ينادي بالاستواء: استووا! سووا صفوفكم! فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا أمر للوجوب، أمر ثم تهديد (أو ليخالفن الله بين قلوبكم) وفي تسويتها ثواب عظيم، لقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله) ففيه ثواب لمن طبقه، ووعيد لمن خالف: (ومن سدَّ فرجة رفعه الله بها درجة وبني له بيتاً في الجنة) رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الترغيب.

ثم بالإضافة إلى الأجر هذا لمن وصل صفاً وسدَّ فرجة، قد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف) أخره الإمام أحمد، وإسناده صحيح.

وهذه الخطوة التي يمشيها لسد فرجة من أعظم الخطوات أجراً عند رب العالمين، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها) رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن، وهو في صحيح الترغيب، فهذه الأحاديث تبين فضيلة تسوية الصفوف وسد الفرج.

وكذلك جاء في الحديث مدح من يأخذ بيد صاحبه إذا أمره بالاستواء، أو أراد الدخول لسد فرجة.

وأما تسوية الصفوف، فقد جاء فيها أحاديث (أقيموا صفوفكم) قال أنس: (وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم كأنه بغل شموس) رواه البخاري.

فلو جئت الآن تأخذ بيد رجل لتسوية الصف وسد الفرجة، لنفر منك كأنه بغل شموس متمرد.

ما هي كيفية تسوية الصفوف؟ وما معنى حديث النعمان بن بشير (فرأيت الرجل يلصق بمنكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه).

إن النصوص تدل على أن تسوية الصفوف تتحقق بما يلي: أولاً: إتمام الصف الأول فالأول.

ثانياً: سد الفرج بالتراص.

ثالثاً: استقامة الصف وتعديله بمحاذاة ما بين الأعناق والمناكب، والركب والأكعب، ولا حظ معي محاذاة المناكب بالمناكب، والأعناق بالأعناق، والركب بالركب، والصدور بالصدور، بحيث لا يتقدم عنق على عنق، ولا منكب على منكب، ولا صدر على صدر.

رابعاً: ألا يوسع المصلي بين قدميه أكثر من عرض المنكبين؛ لأن ذلك ينافي التسوية، ويمنع التصاق المنكب بالمنكب، فليس من تسوية الصفوف ما يفعله بعض الشباب من فك أرجلهم زيادة على عرض المنكبين، لأجل أن يلصق رجله برجل جاره، فيطارده يميناً أو شمالاً؛ لأجل أن يلزق قدمه بقدمه.

إذاً: التسوية أن تفتح قدميك على عرض منكبيك، وتأخذ بيد من بجانبك بلطف ليلتصق بك من المنكب، فهذه هي التسوية، ولا يتقدم ولا يتأخر، فإذا التزق المنكب بالمنكب وما تقدم ولا تأخر، وفتح كل رجل رجليه بعرض منكبيه، واستقام الصف، أمَّا أنه يباعد بين قدميه لكي يلصق من هنا وهنا لم يسو الصف التسوية المطلوبة شرعاً، ثم بعض الناس يعملون خططاً حربية، ويضم رجليه ضماً مبالغاً فيه، حتى يأتي الرجل ذاك والذي بعده والذي بعده فإذا جاءوا فتحها، وقال: أين المصف؟ فهذه الأشياء لا شك أنها تنفر بعض الناس وخصوصاً بعض كبار السن، وبعض الذين لا يعرفون أهمية السنة في هذا، فينبغي الحكمة في تطبيق السنة، وكل ما علينا أن نفعله أن عرض المنكبين هو فتحة ما بين القدمين، ونلصق المنكب بالمنكب، ولا يشترط أن يلزق القدم بالقدم؛ لأن فيه اشتغالاً وإشغالاً، خصوصاً إذا قام في الركعة الثانية والثالثة، ليس من السنة أنه كل ما قام من الركعة أن يلزق القدم بالقدم، لأن هذا فيه اشغال واشتغال، وتنفير من الناس الذين لا يريدون هذا الإلصاق، ومن الأدلة على أن هذا ليس بمراد: أن الصحابي قال: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه) وابن حجر يقول في الفتح: المسألة تحتاج إلى شرح وفهم لكلام العلماء، أي: المقصود المبالغة في تعديل الصف وسد الخلل، بدليل أن إلزاق الركبة بالركبة حال القيام متعذر، وهذا الإلزاق في استمرار الصلاة ليس من السنة، وفيه إشغال، وأحياناً يقتطع من مكانه ذلك بغير حق، ثم هذه المباعدة ربما أدت إلى مخالفة لسنة أخرى وهي توجيه أصابع القدمين إلى القبلة، فالسنة أن يتوجه المصلي بكليته إلى القبلة، ومن ذلك رءوس القدمين والأصابع؛ لأنه إذا أراد الإلزاق فوَّت ذلك أحياناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>