للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف المصافحة وحكم مصافحة النساء الأجنبيات]

جاء في منظومة ابن عبد القوي رحمه الله في موضوع المصافحة، قوله:

وصافح لمن تلقاه من كل مسلم تناثر خطاياكم كما في المسند

أي: يا أيها المسلم! صافح كما جاء في المسطور عن النبي الأواب، المبعوث بالسنة والكتاب، صافح أخاك المسلم إذا لقيته.

والمصافحة في اللغة: هي على وزن مفاعلة، أي: أنها تحدث من طرفين، وهي مأخوذة من إلصاق صفح الكف بالكف، ومنه علم أنه إذا أمسك بأطراف أصابعه فهي ليست مصافحة كاملة كما يفعل بعض الناس، وهذه ليست مصافحة الرجال، بل ولا حتى مصافحة النساء، لأن هذه المصافحة ناقصة، والمصافحة المشروعة هي وضع صفح الكف بصفح الكف والقبض عليها، فإذاً لا تكون المصافحة إلا بذلك.

وأيضاً من تعريف المصافحة: إقبال الوجه على الوجه، فلو أعطاه يده من وراء ظهره ونحو ذلك لا تكون مصافحة شرعية إلا في أحوال قد تكون للحاجة أو أنه لا يستطيع ونحو ذلك.

ويقال: صافحته، أفضيت بيدي إلى يده.

وفي القاموس: المصافحة: الأخذ باليد كالتصافح.

قوله رحمه الله:

وصافح لمن تلقاه من كل مسلم

قيد الناظم رحمه الله المصافحة بالمسلم، أي: أن الكافر ليس له مصافحة هذا هو الأصل، لكن هل تحرم مصافحته أم لا؟ سيأتي الكلام على ذلك.

إذاً: المسلم ولو كان صغيراً أو كبيراً فإنه يصافح بشرط أن تؤمن الفتنة، فقد يكون أمرداً أو يكون له فتنة به، فعند ذلك تحرم مصافحته ولاشك في ذلك.

أما بالنسبة لمصافحة المرأة الأجنبية فإنه لا يجوز مصافحتها، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، وكذلك قد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن مصافحة النساء؟ قال: "لا.

قال: قلت: فيصافحها بثوبه -لو جعل الثوب حائلاً؟ يمد يده فيكون الثوب بين يده ويدها- قال: لا".

وقال ابن تيمية رحمه الله: "إن الملامسة أبلغ من النظر".

ملامسة المرأة أبلغ من النظر إليها في الفتنة وثوران الشهوة، ولذلك لا يجوز مطلقاً.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن الإنسان لو طعن بمخيط -المخيط الإبرة العظيمة التي يخاط بها- في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له، سواء كان في المصافحة أو في غير المصافحة، ويكون هذا مس المرأة التي لا تحل له، وهذا من قواعد الشريعة العظيمة التي تدرأ بها الفتن، وتسد بها الذرائع إلى الشر، ويؤمن بواسطتها من ثوران الشهوات.

إذاً: لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية لا بحائل ولا بغير حائل، لا كبيرة ولا صغيرة.

فإن قال قائل: الكبيرة ماذا يجوز منها إذاً؟ نقول: الله عز وجل قال: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:٦٠].

وهذا الشرط أن تكون المرأة من القواعد من النساء -كبيرات السن- لا يرجون نكاحاً، أي: أنها بلغت من الكبر عتيا، وأنه قد ذهب كل جمال فيها، بحيث لم تعد ترجو زواجاً مطلقاً، ولا أحد يطمع فيها أو يتزوجها أبداً، فهذه المرأة {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:٦٠] أي: يجوز لها أن تضع الخمار عن رأسها إذا دخل عليها أجنبي، ولكن يشترط مع ذلك ألا تكون متزينة.

على سبيل المثال: لا يجوز أن تضع مكياجاً مثلاً، أو حمرة أو خضرة، أو أي نوع من أنواع المساحيق الموجودة وغيرها، لا يجوز أن تضع ذلك وتكشف على الأجنبي، ولو كانت كبيرة ولا تشتهى، لا تضع الزينة، كل ذلك من احتياطات الشريعة لعدم الوقوع في الفاحشة، وعدم إشاعة الفتنة وثوران الشهوة، ولأجل صيانة المجتمع المسلم وحماية أفراد المسلمين، ولكل ساقطة لاقطة.

إذاً: المرأة الكبيرة يجوز لها أن تضع ثيابها غير متبرجة بزينة إذا كانت لا ترجو نكاحاً، لكن لا يجوز مصافحتها ولا الخلوة بها، ولا أن تتعطر عنده ولا تتزين، ولا يسافر بها إذا لم يكن لها محرماً، لأن بعض الناس قد يتساهلون في الكبيرات، فيصافح ويقبل ويسافر ويخلو بها، فنقول: أقصى ما ورد أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة.

أما المرأة الشابة الأجنبية فهذا معروف من باب أولى أنه لا يجوز مصافحتها ولا تقبيل رأسها ولا غيره، ولا السفر بها بدون محرم، ولا أن تكشف عليه، ولا أن يخلو بها إلى آخره.

<<  <  ج: ص:  >  >>