للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ابن عباس يسمع جميع الشبه]

ولما خرج الخوارج على علي رضي الله عنه، واعتزلت الحرورية في حروراء، قال ابن عباس لـ علي رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين! أبرد بالصلاة -أخر الصلاة قليلاً - فلعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم قال: إني أتخوفهم عليك، قال: قلت: كلا إن شاء الله، فلبست أحسن ما عندي ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة فدخلت على قومٍ لم أر قوماً أشد منهم اجتهاداً -يعني: في العبادة- أيديهم كأنها ثكن الإبل، ووجوهاً معلمةً من آثار السجود، فقالوا: مرحباً بك يـ ابن عباس، ما جاء بك؟ قال: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم: لا تحدثوه؛ هذا من قريش الذين قال الله فيهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:٥٨] وقال بعضهم: لنحدثنه، قال: قلت: أخبروني ما تخصمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأول من آمن به، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثاً، قال: وما هن؟ قالوا: أولهن أنه حكَّم الرجال في دين الله ورضي بالحكمين، عمرو بن العاص من طرف معاوية، وجعل أبا موسى من طرفه، فحكم الرجال في دين الله، وقد قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧] قلت: وماذا؟ -لا بد من استفراغ الشبه كلها قبل الجواب لأن ذهن السامع ينشغل بشبهه حتى لو سمع جواب الشبهة الأولى- قال: وماذا؟ قالوا: قاتل ولم يسبِ ولم يغنم، قاتل معاوية وقاتل في الجمل ولا أخذ سبياً ولا غنائم، لئن كانوا كفاراً لقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت عليه دماؤهم، قلت: وماذا؟ قالوا: نحى نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم كتاب الله المحكم، وحدثتكم عن سنة نبيكم ما تنكرون، أترجعون؟ قالوا: نعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>