وكذلك فإنه بالنسبة للعاطس إذا عطس أكثر من ثلاث مرات، فإنه قد سبق القول أنه يُدعى له بالعافية، ولذلك يقول ابن عبد القوي رحمه الله في منظومته:
وقل للفتى عوفيت بعد ثلاثةٍ وللطفل بورك فيك وأمره يحمدِ
وعوفيت بعد ثلاثة، أي: بعد ثلاث مرات، يدعى له بالعافية، يقال له: عوفيت، ليس في هذا حديث صحيح، لكن بما أنه أخبر أنه مزكوم، فالمناسب أن يُدعى له بالعافية، بعد تشميته ثلاث مرات، فإذا عطس الرابعة يقال له: عوفيت، وقال شيخ الإسلام وهو منصوص الإمام أحمد: إن عطس ثانياً وحمد شمته، وثالثاً شمته، ورابعاً دعا له بالعافية، ولا يشمت للرابعة إلا إذا لم يكن شمته قبلها ثلاثاً، فالاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات، هذا كلام صاحب الإقناع وشارح الإقناع، أن العبرة بالتشميت لا بعدد العطسات، فلو عطس شخص ثلاث مرات متوالية، ثم قال: الحمد لله، فشمته، ثم عطس رابعة فشمته، ثم عطس خامسة فشمته، كم عطسة عطس؟ خمس، كم مرة شمته؟ ثلاثاً.
إذاً: في العطسة السادسة تقول له: عوفيت، فقال: إذاً العبرة بفعل التشميت لا بعدد العطسات، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت، ويقال له: عافاك الله؛ لأنه مزكوم أو به داء.
وقال مهنا للإمام أحمد: أي شيء مذهبك في العاطس يشمت إلى ثلاث مرار؟ فقال: إلى قول عمرو بن العاص قال: العاطس بمنزلة الخاطب، يشمت إلى ثلاث، فما زاد فهو داء في الرأس.
وتقدمت الأحاديث في هذا الأمر، وهناك مسألة، وهي: إذا دعا للعاطس بالعافية فهل يقول العاطس شيئاً؟ قال السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب:"لم أرَ لأحدٍ من الأصحاب ولا غيرهم في أن الداعي للعاطس بالعافية، هل يستحق جواباً أم لا".
ولعله يجيب بقوله: عافانا الله وإياك، أي: لو قلت له: عوفيت بعدما عطس وشمته المرة الثالثة، عطس الرابعة، فقلت له: عوفيت، فيقول: عافانا الله وإياك، وهو مأخوذٌ من قول ابن عمر رضي الله عنهما.
وهل يكون مستحباً أو واجباً أو مباحاً؟ لم أر من تعرض لشيءٍ من ذلك، والذي يظهر إن قلنا: الدعاء له بالعافية مستحب فالإجابة كذلك، إذا قلنا: عوفيت أو عافاك الله مستحب، فالإجابة بقول: عافانا الله وإياك، أو وإياك مثلاً: ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة أنه مستحب كذلك، وإن قلنا: واجبٌ فكذلك الإجابة والله ولي الإنابة.