إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فهذه هي المجموعة الثانية من سلسلة الآداب الشرعية، وقد مضت المجموعة الأولى، وكنا قد انتهينا منها في سلسلة سابقة في عام مضى.
وهذا الموضوع -أيها الإخوة- موضوع عظيم؛ وذلك لأن الإنسان لا يخلو في حياته في حركاته وسكناته، بل حتى إذا خلا بنفسه، فهو إما أن يكون في علاقةٍ مع الله عز وجل، أو مع الخلق، أو مع النفس من جاجته إلى الأدب.
وقد سبق تعريف الأدب في السلسة الأولى وبيان أمورٍ تتعلق به، وفي هذه السلسلة -أو المجموعة الثانية- سنتحدث عن مجموعة أخرى -إن شاء الله- من الآداب، ونستهل ذلك بأدب الحوار في هذا الدرس.
أما بالنسبة للحوار: فهو من حار يحور إذا رجع، والمحاورة الجواب، والحوار هو تراجع الكلام والتجاوب فيه بالمخاطبة والرد، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حواراتٍ في كتابه العزيز، وهذه اللفظة وردت في قوله تعالى:{فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}[الكهف:٣٤] وفي قوله عز وجل: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}[المجادلة:١] الحوار خطاب وكلام.
وقلنا: حار أي: عاد ورجع، والحوار يعيد فيه الشخص ويبدئ، والمحاورة مراجعةٌ وكلامٌ في المخاطبة، وهي مجاوبة وتجاوب، فمراجعة المنطق والكلام في المخاطبة تسمى حواراً.
والفرق بين الحوار والمناظرة والجدال والمحاجة: أن الحوار أعمها جميعاً وكلها تدخل فيه؛ لأنها كلها تشترك معه في أنها مراجعة في الكلام ومداولة له بين الطرفين، فهي تدخل في معنى الحوار من هذه الجهة، ثم تخرج المناظرة في دلالتها على النظر والفكر، والجدال والمحاجة في دلالتهما على المخاصمة والمنازعة