[ألا يبول في مستحمه]
رابع عشر: من آداب قضاء الحاجة: أن على الإنسان ألا يبول في مستحمه، وقد ورد في ذلك حديث عند أبي داود وابن ماجة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه).
وفي رواية: (لا يبولن أحدكم في مستحمه).
وهذا حديث صحيح، فما معنى المستحم؟ وما المقصود بهذا الحديث؟ أما بالنسبة للمستحم، فقد قال الخطابي رحمه الله: المستحم هو المغتسل، وهو مشقق من الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به.
قال النووي رحمه الله: واتفق أصحابنا أن المستحب ألا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة لئلا يترشش عليه وهذا في غير الأخلية المعدة، أو المتخذة لذلك؛ أما المتخذ لذلك كالمرحاض فلا بأس فيه؛ لأنه لا يترشش عليه، ولأن في الخروج منه إلى غيره مشقة.
وقال بعض العلماء: ألا يستنجي بالماء في موضعه.
إذاً: هم قالوا: إذا تبول في مكان، أو تغوط في مكان يزحف قليلاً حتى إذا صب الماء أثناء الاستنجاء لا يصيبه من النجاسة التي صارت في الأرض مثلاً، وإذا أراد أن يغسل عورته، أو يغسل مكان قضاء الحاجة لا تصيب النجاسة المجتمعة في الأرض يده مثلاً، فالمقصود من كل القضية: ألا يرتد عليه شيء من النجاسة، واتقاء الوسواس؛ لأنه قد ورد عند أبي داود: (ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوسواس منه).
فإذا كان لا يرتد فلا بأس بذلك، وينبغي أن تجعل أماكن قضاء الحاجة في المراحيض بحيث تحقق هذا الغرض؛ وهو عدم ارتداد النجاسة على الذي يقضي الحاجة.
وهنا سؤال قد طرحه بعض الإخوان فيما سبق وتوجهنا به إلى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، يقول
السؤال
هل التبول في حوض الاستحمام -البانيو- أثناء الاستحمام يدخل في حديث النهي عن البول في المستحم؟ أم لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل؟
الجواب
لا.
لا يدخل لأنه إذا بال فسوف يصب عليه الماء ثم يزول البول، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه، ولو قدر أن الإنسان حضره التبول أثناء الاستحمام يتوقف عن الاستحمام حتى يبول ويريق عليه الماء، فإذا كان يوجد أي وسيلة للوسوسة فيجتنب الإنسان ما يؤدي إلى الوسوسة.
وقد ذكر بعض الفقهاء الاعتماد في التبول على الرجل اليسرى، وقالوا: ويعتمد في حال جلوسه على الرجل اليسرى كما قال ابن قدامة في المغني لما روى سراقة بن مالك قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى).
رواه الطبراني في المعجم، يقول ابن قدامة معللاً: ولأنه أسهل لخروج الخارج.
لكن هذا الحديث إذا كان ضعيفاً ماذا نفعل؟ ننظر في المعنى، وقد قال النووي رحمه الله في المجموع: هذا الحديث ضعيف رواه البيهقي عن رجل عن أبيه عن سراقة قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى).
قال: وهذا الأدب مستحب عند أصحابنا، واحتجوا فيه بما ذكره المصنف، وقد بينا أن الحديث لا يحتج به فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث, والله أعلم.
المعنى الذي ذكروه قد يكون نتيجة تجربة، والحديث الآن ضعيف قالوا: إنه إذا استند على الرجل اليسرى ومال على الجانب الأيسر صار أسهل لخروج النجاسة، وقد ذكر ابن قدامة -هذا الكلام كما قلنا- أنه أسهل، وكذلك ذكر بعضهم هذه القضية، وعلل ذلك بأن المعدة في الجانب الأيسر فيكون الاتكاء على اليسار أسهل في الخروج وخصوصاً الغائط، لكن على أية حال المسألة كما رأينا ما دام حديثها ضعيفاً فهي على راحة الإنسان، إذا وجد أنه في قضاء الحاجة أكثر راحة له فالحمد لله يفعل ذلك، والمقصود: اتباع ما يسهل عند قضاء الحاجة، أن يكون الخروج سهلاً؛ لأنه أحياناً إذا خرج بتعسف آذى الشخص، وهناك أناس يصابون بآفات عظيمة جراء قضية التعسف عند قضاء الحاجة، وعدم اتباع الوسيلة الميسرة في ذلك، أو الوضع الميسر في ذلك.