[من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في الهدايا]
وكان من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءته الهدية، أشرك فيها من معه، أو من حوله، كما جاء في كتاب الرقاق في صحيح البخاري، دخل عليه الصلاة والسلام فوجد لبناً في قدح فقال: (من أين هذا اللبن؟ فقالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ، فقال: أبا هر! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحدٍ.
كان عليه الصلاة والسلام إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هديةٌ أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها) الحديث.
إذاً: كان هذا من كريم خُلقه عليه الصلاة والسلام، من كرمه أنه كان إذا جاءته الهدية لم ينس من حوله من الفقراء والمحتاجين، وكان من حضره يعطيه، وإذا أهديت إليه باكورة الثمر -أو الثمار- كان يعطيها لأصغر القوم سناً -الطفل-.
وكان صلى الله عليه وسلم يتألف بهداياه القوم، وربما كان رجلٌ حديث عهدٍ بالإسلام أو في قلبه شيء على الإسلام وأهله، أو على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يزال يعطيه حتى يرضيه.
ومن الأحاديث الجميلة التي وردت في صحيح البخاري عن ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أهديت له أقبية من ديباجٍ مزررةٍ بالذهب فقسمها في ناسٍ من أصحابه) ولا يلزم أن يلبسوها؛ لأن لبس الحرير للرجال حرام لكن يمكن أن يعطوها زوجاتهم أو بناتهم، أو كما فعل عمر حين أهداها لأخٍ له مشرك بـ مكة.
(أهديت له أقبية من ديباجٍ مزررةٍ بالذهب فقسمها في ناسٍ من أصحابه، وعزل منها واحدة لمخرمة بن نوفل، فجاء ومعه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال: ادعه لي -وكان صاحب جفاء وغلظة- فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فأخذ قباءً فتلقاه به واستقبله بأزراره فقال: يا أبا المسور! خبأت هذا لك، يا أبا المسور! خبأت هذا لك، وكان في خلقه شدة) أي: أبو المسور.
وقد كان ابنه المسور بن مخرمة من كبار رواة الأحاديث.
وكان صلى الله عليه وسلم يرسل الهدايا في أقربائه، وكان عنده من الوفاء لذكرى زوجته خديجة ما يستخدم الهدية فيه لإحيائه، والتدليل على أنه باقٍ في نفسه ذكرى تلك المرأة الطيبة التي ساعدته بمالها ودافعت عنه بنفسها، وكان أولاده منها، وأن ذكراها الطيبة لا زالت موجودة وحية، فكان إذا ذبح الشاة يُهدي لصديقات خديجة.
ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها: (ما غرت على امرأةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة) مع أنها ما رأتها، لكن غارت عليها من الذكر والسمعة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذكرها دائماً حتى قالت عائشة: (ما تريد من عجوزٍ حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها؟! قال: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد).
قالت عائشة: (ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لكثرة ما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيتٍ من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن) أي: يُعطيهن ما يسعهن.