للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النهي عن البصاق جهة القبلة وعن اليمين]

وقال في حديث: باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة، قال في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (رأى نخامة في حائط المسجد، فتناول حصاة فحتها، ثم قال: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى)، وحديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت رجله) وهذا الحديث (لا يتفلن أحدكم) وحديث: (إذا تنخم أحدكم) ليس فيه تقييد للصلاة، فالآن هل هذا مقيد بالصلاة أم لا؟ هل النهي عن البصاق إلى جهة القبلة خاصٌ بالصلاة أم لا؟ أما النووي رحمه الله فإن رأيه المنع في كل حالة، داخل الصلاة وخارجها، سواءً كان في مسجد أو غيره، وجاء عن مالك أنه قال: لا بأس به خارج الصلاة، وقال ابن حجر: يشهد للمنع عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة، عندنا الآن جهتين منهي عن البصق فيها: جهة القبلة والجهة اليمنى، هل هذا خاص بالصلاة؟ وإلا لو أن إنساناً يمشي في الشارع لا يبصق في اتجاه القبلة ولا يبصق عن يمينه.

قال ابن حجر رحمه الله: ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره، عن ابن مسعود: [أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة]، وعن معاذ بن جبل قال: [ما بصقت عن يميني منذ أسلمت] وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى أبناءه عنه مطلقاً، فالذين قالوا: إنه مخصوص بحالة الصلاة، قالوا: إنه قال في حديث أبي هريرة: (فإن عن يمينه ملكاً) فإذا قلنا: إن الملك هذا غير الكاتب والحافظ؛ لأن هناك ملكاً يكتب، وملائكة تحفظ، فيظهر عند ذلك اختصاصه بحال الصلاة، أي: هناك ملك غير الحافظ، ملك في الصلاة يكون عن يمين المصلي، فغير الصلاة لا يكون فيها، إذاً: يجوز أن يبصق خارج الصلاة عن يمينه، هؤلاء الذين قالوا: إن العلة وجود ملك -فهموا الحديث- في الصلاة عن يمين المصلي.

والقاضي عياض رأيه أن النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره، فإن تعذر فله ذلك، أي: إذا لم يتمكن أن يبصق في جهة أخرى غير اليمين، ولذلك قال ابن حجر: لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه، فإنه يمكن مثلاً أن يأخذ طرف الثوب ويبصق فيه عن الجهة اليسرى مثلاً، وإذا كان عن يساره أحد -طبعاً المساجد من قديم كان فيها تراب وحصى- فإذا كان في المسجد تراب وأراد أن يبصق يبصق عن يساره تحت قدمه اليسرى ويدلكها بالتراب وتنتهي، لكن الآن المساجد ليست مفروشة لا بالحصى ولا بالتراب ولا بالرمل، فإذاً: لو بصق ستكون في السجاد فيحصل تلويث وتقذير للمسجد.

إذاً: ما هو الحل؟ أن يخرج منديلاً فيبصق فيه أو يبصق في طرف الثوب إذا احتاج لذلك، فقد يكون فيه علة حيث يجتمع البلغم ونحو ذلك ويسد مجرى التنفس ولا يستطيع القراءة ولابد من إخراجه، فإذا احتاج إلى البصاق، فماذا يفعل؟ يبصق عن يساره في ثوبه، أو في منديل، أما البصاق على الأرض تحت القدم اليسرى هذا محله إذا كان في مكانٍ فيه رملٌ أو تراب أو نحوه بصق تحت قدمه اليسرى ودلك ذلك حتى يذهب أثرها، كما إذا كان يصلي في أرضٍ مكشوفة في الرمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>