لكن ما كيفية الاتكاء؟ ذكر ابن القيم رحمه الله ثلاث كيفيات للاتكاء: الاتكاء على الجنب، الاتكاء على اليد، والتربع، وقد اختلف العلماء في حكمه لأن النهي ليس بصريح، لأنه قال:(إني لا آكل متكئاً) فالآن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أو مما نحن نقتدي به: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١]؟ فلا شك أن الأصل أن نقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا نأكل متكئين وهذا هو الأحوط على الأقل، فقيل في صفة الاتكاء: أن يتمكن من الجلوس على أي صفةٍ كانت، يعني: يأخذ راحته ويتمكن، ويجلس جلسة فيها اطمئنان وراحة تامة، طبعاً من المحذور فيها أنه سيكثر من الطعام تبعاً لطريقة جلسته، وقيل: أن يميل على أحد شقيه على الجنب، وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض.
وقال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته فيجعل تحته فرشاً وشيئاً مريحاً للجلوس، يعني: كأنه يرى رحمه الله أن الاتكاء داخلٌ فيه، يعني: أي وضعية فيها راحة تامة، بحيث إن الإنسان يجلس فترة طويلة، فيتسبب في مزيدٍ من الأكل، قال: ومعنى الحديث (إني لا أقعد متكئاً على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزاً).
وجاء في حديث أنس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم:(أكل تمراً وهو مقعٍ) -من الإقعاء- وفي رواية (وهو محتفز) والمقصود: أن يجلس على وركيه غير متمكن، وعموماً يدل ذلك على كراهة كل ما يعد الآكل فيه متكئاً لا بصفةٍ بعينه، اتكاء على جنب، اتكاء على اليد، اتكاء على الوطاء، جلسة مستمكنة يستريح فيها تماماً ويأخذ راحته فيها، كل ذلك داخلٌ فيه، ولعل الأكل وهو على جنب مما يضر به، فلا ينحدر الطعام في مجاريه سهلاً هنيئاً فربما يتأذى به لو أكل متكئاً، وقيل: إن ذلك من فعل الملوك الأعاجم الأكل متكئاً، ولذلك صار مكروهاً.
والمستحب إذاً للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فإذاً هناك كيفيتان للجلوس على الطعام قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه.
الثانية: أن يكون ناصباً للرجل اليمنى جالساً على الرجل اليسرى.
ولا يستبعد أن تكون العلة مجتمعة في أشياء كثيرة -مثلاً- طبية وشرعية، قد تكون أقرب للتواضع وأبعد عن مشابهة الأعاجم تؤدي إلى عدم الإكثار من الطعام، وهكذا