الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: نتحدث في هذه الليلة وفي هذه السلسلة؛ سلسلة الآداب الشرعية المجموعة الثانية عن أدب يدل على كمال هذه الشريعة وحسنها، وأنها لم تترك شيئاً إلا وأوردت فيه آداباً وأحكاماً ليدل ذلك على قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:٣] فالكمال والجمال في هذه الشريعة من سماتها، والحمد لله على نعمته.
ومن عظمة هذه الشريعة المباركة أنها ما تركت خيراً في قليل ولا كثير إلا أمرت به ودلت عليه، ولا شراً في قليل ولا كثير إلا حذرت منه ونهت عنه؛ فكانت كاملة حسنة من جميع الوجوه، وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدين، حتى قال أحدهم لـ سلمان الفارسي رضي الله عنه:(قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، فقال سلمان: أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول) الحديث.
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وهو في صحيح مسلم وغيره.
وقضاء الحاجة: هذا الاسم من الأدلة على الأدب في الشريعة، فإنه ذكر كنايةً عن خروج البول والبراز، ولا شك أن هذا الاسم -قضاء الحاجة- ألطف وأحسن وأجمل، والأدب في مثل هذا واضح في القرآن والسنة، فقد قال الله سبحانه وتعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}[النساء:٤٣] فلم يسم الخارج باسمه البشع، وإنما كنى عنه بهذه العبارة فقال:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}[النساء:٤٣] والغائط: هو المطمئن من الأرض المكان النازل من الأرض مستوى هابط من الأرض، فقد كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوه رغبة في التستر، فكني به عما يخرج من السبيلين.
ولذلك فإنه لا فحش ولا بذاءة في هذه الشريعة بخلاف ما يستعمله كثير من الناس في ألفاظهم ومجالسهم من أنواع البذاءات والفحش، فنقول: حتى هذه العملية وهي خروج هذه النجاسات سميت بهذه الأسماء من باب الأدب، وقيل: قضاء الحاجة، مع أن الحاجات كثيرة، لكن صار علماً أو رمزاً على إخراج النجاسة من السبيلين.
وقد ورد في هذه الشريعة عدة آداب وأحكام لهذا الأمر، ومن ذاك: