وقال صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) والإيذاء أنواعه كثيرة، وإيذاء الجار حرام، وسنأتي على بعض أنواع الإيذاء، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) فذكر الإحسان وعدم الإيذاء حتى تكتمل القضية من طرفين: إحسان وعدم إيذاء؛ لأن عدم الإيذاء لا يتضمن الإحسان، أي: أنت ممكن لا تؤذي لكن لا تحسن، فليس المطلوب فقط أنك لا تؤذي، ولكن أن تحسن أيضاً.
أما الإحسان فهو ينافي الإيذاء، أي: إذا قال أحسن، فواضح أنه لا تؤذي، لكن عندما قال: لا تؤذي، فقد أكد على هذا الجانب؛ لأنه يحصل أذية من الجيران لبعضهم، ولذلك أكد عليه من جهتين: الإحسان وعدم الإيذاء، لكن عدم الإيذاء لا يعني وجوب الإحسان.
والرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة رضي الله عنها وقالت له:(يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً) رواه البخاري.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر بإكرام الجار عملت عائشة رضي الله عنها، وقد كان الزاد عندهم قليلاً، ولم يكونوا على سعة من العيش، وكانت تمر أيام كثيرة لا يوقد في بيت النبي عليه الصلاة والسلام نار ولا هناك شيء يطبخ، وأرسل مرة في طلب طعام لضيفه فلم يجد إلا الماء، وأحياناً يأتي لبن من هنا أو شيء من هنا، مما يهدى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فهم كانوا من جهة العيش ليسوا في سعة، فلما كان هذا، وربما يحضر عند عائشة القليل، والجيران كثر، قلنا: أربعون من كل جانب، فما الذي يسع هؤلاء الجيران الكثر؟ فلذلك سألته قالت:(إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً) وهذا أحد الأقوال في تفسير (والجار الجنب والجار ذي القربى) على أحد الأقوال، ولكن القول الأشهر: القربى صاحب القرابة النسبية.
وقال عليه الصلاة والسلام:(خير الجيران عند الله خيرهم لجاره) رواه الترمذي وهو حديث حسن.
و (خيرهم لجاره) أي: في النفع والدفع، فهو ينفعه ويدفع عنه ما يؤذيه، فهذا خير الناس وأكثرهم ثواباً، وأكرمهم منزلة عند الله سبحانه وتعالى.