[من آداب المسجد: عدم هجر المسجد القريب]
ومن آداب المسجد أيضاً: ألا يهجر المسجد الذي يليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليصلي أحدكم في مسجده ولا يتتبع المساجد) رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
هجر المسجد أو الذهاب إلى مسجد أبعد يؤدي إلى سلبيات، منها: هجر المسجد الذي يليه، وإذا كان كل واحد من جماعة المسجد سيذهب إلى مسجد آخر، وهذا وهذا، فإن ذلك يؤدي إلى قلتهم، ثم ربما يؤدي إلى خلو المسجد وعدم عمارته.
ومن السلبيات أيضاً: إيحاش صدر الإمام وإساءة الظن به، أو الوقوع في عرضه، أو يقول الناس: لماذا فلان لا يصلي وراء الإمام؟ الإمام هذا فيه مشكلة فيه كذا لماذا يتركونه ويذهبون إلى غيره؟ فيؤدي إلى إلصاق التهم بالإمام ونحو ذلك.
ثم إن الشريعة جاءت لتأليف القلوب، فإذا كان هذا الفعل فيه كسر لقلب إمامك أو جماعة مسجدك، فجبر قلوبهم أولى من أن تقول: الأبعد أفضل، وأمشي زيادة، لأن مقصد الشرع تأليف القلوب، وهو أكبر من المقصد في زيادة الخطا إلى المسجد الأبعد، وظاهرة تخطي المساجد تحدث في رمضان، لأن بعض الناس يتتبعون حسن الصوت، وربما أدى ذلك إلى هجر بعض المساجد، فيقع في نفس الإمام ما يقع، أو في نفس من بنى المسجد ما يقع، لما هُجِرَ مسجده.
تتبع المساجد من أجل حسن الصوت فيه تفصيل: إذا كان يؤدي إلى مفاسد منع، ونقول له: اجلس في مسجدك ولا تتبع المسجد الآخر من أجل الصوت، وإذا كان لا يؤدي إلى مفاسد، قال: أنا سأذهب إلى مسجد كذا، وجماعة مسجدنا في حينا كثيرة، والشيوخ والعامة كثر، فلو ذهبت وذهب معي عشرة لا يحدث شيء للمسجد، وانتفت السلبيات، ولن يغلق المسجد، ولن يهجر، ولن يحدث بينه وبين الإمام وجماعة المسجد شيء، فلو ذهب لا حرج عليه، ولو كان يؤدي إلى مفاسد فلا يذهب، هذا التفصيل في قضية تتبع المساجد من أجل الصوت.
أما إذا وجد غرض صحيح لتخطي الإنسان مسجده إلى مسجد آخر، مثل أن يكون إمام مسجده لا يقيم الفاتحة، أو لا يطمئن في صلاته، أو يرتكب بعض المخالفات الشرعية، أو يجاهر ببدعة، أو يجاهر بمعصية، أو أنه سيذهب إلى مسجد آخر ليحضر درساً، أو محاضرة، أو أن المسجد الآخر يصلي بسرعة وهو مستعجل، أو أن المسجد الآخر يصلي متأخراً وصاحبنا متخلف.
إذاً: هناك أسباب فلو ذهب إلى المسجد الأبعد لهذه الأسباب، فلا بأس بذلك.
ومن آداب المسجد: ألا يؤذي المصلين، لا بالرائحة، ولا بوضع النعال في مكان غير مناسب، ولا بتخطي الرقاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: (اجلس فقد آذيت) وربما فاته أجر الجماعة كلها بسبب هذا الإيذاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجة، لا يوم الجمعة ولا غيرها.
إذاً: بعض الناس يأتي ويقول: أدخل والله ييسرها، وهذا خطأ، فإذا وجد فرجة يتقدم إليها، والذين لم يتقدموا أسقطوا حقهم في منع التخطي، لماذا لم يتقدموا لسدها؟ فهو يتقدم لسدها ولا حرج عليه، واشترط بعض العلماء أن يكون ممر لا تلتصق فيه ركبتا المتجاورين، إذا كان يوجد فرجة في الأمام موجودة، وتقدم فسدها، وإذا لم تكن فرجة موجودة فلا يتقدم؛ لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، واختار التحريم، فأما إذا تركت فرج في الصفوف فلا حرج في اختراق الصفوف لسد هذه الفرج والقيام في تلك الصفوف.