[استحباب إعطاء البشارة للمبشر]
ويستحب لمن جاءته البشرى كمن بشر بغلام أو بنعمة جاءته أن يعطي المبشر شيئاً, قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في التعليق على قصة كعب رضي الله عنه، ولا بأس أن نذكر طرفاً من هذه القصة العظيمة: قصة كعب رضي الله عنه وردت في عدد من كتب ودواوين السنة, ففي كتاب الجهاد في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس) وقص الحديث, قال: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا -أي الثلاثة- حتى إذا طال عليّ تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي, فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام, ثم صليت الصبح -صباح خمسين ليلة- على ظهر بيت من بيوتنا فسمعت صارخاً: يا كعب بن مالك! أبشر, فلما جاء الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه، فانطلقت حتى إذا دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس, فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني).
وقد عنون له أبو داود: باب في إعطاء البشير.
وكذلك وردت رواية أخرى في صحيح البخاري , في كتاب تفسير القرآن، يقول كعب رضي الله عنه: أنه في هذه الواقعة لم يكن من شيء أهم إليّ من أن أموت فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم, يعني كان همه الذي أهمه وقت هجره ومنع النبي صلى الله عليه وسلم الناس من كلامه, يقول: كان الهم الذي أهمني وأقلقني أن أموت في هذه الليالي التي أنا مهجور فيها، فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي ولا يسلم علي, فكلاهما بالنسبة له مزعج جداً, فأنزل الله توبته على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الآخر من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أم سلمة! تيب على كعب , قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال: إذاً يحطمكم الناس، فيمنعونكم النوم سائر الليل) حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر.
إذاً: الصحابة كانوا مهتمين بتبشير كعب.
وفي القصة المعروفة المشهورة لما جاء البشير كعباً أعطاه ثوبيه, قال ابن القيم رحمه الله: "وفي نزع كعب لثوبيه وإعطائهما للبشير دليل على أن إعطاء المبشرين من مكارم الأخلاق والشيم, وعادات الأشراف, وقد أعتق العباس غلامه لما بشره أن عند الحجاج بن علاط من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسره, قال: وفيه دليل على جواز إعطاء البشير جميع ثيابه" طبعاً بدون كشف عورته أمام الناس، لكن يجوز أن يعطيه جميع ثيابه, وكذلك قول بعض الناس: هات البشارة, فهذا له إشارة في كلام أهل العلم أنه يعطى.
والبشارة سواء كانت في الأمر الطيب الديني أو الأمر الطيب الدنيوي مثل الولد أو المال فلا شك أنها مما يثاب عليها, ويعطى فيها, والحديث يدل على التسابق في تبشير المسلم بالخبر السار, وأن المسلم إذا صار له شيء طيب من باب المشاركة الشعورية له أن يتسابق إخوانه في تبليغه, لذلك لما أرسل عمر ابنه عبد الله إلى عائشة يستأذنها أن يدخل مع صاحبيه، ثم أقبل عبد الله قال عمر: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين! أذنت, فقال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك.
وذكر البشارة للناس أو تبشير من يريد من الناس, لو جاء أحد وقال: أعطني كذا أو أريد منك خدمة فتقول له: أبشر، فهذا لا شك أنه من الأمور الطيبة التي جاءت بها السنة, فإن الناس لما سمعوا في المدينة أن مالاً جاء به أبو عبيدة من البحرين، جاءوا النبي عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الفجر, فقال: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله! قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم, فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا) الحديث.
إذا أتى إليك شخص يريد شيئاً بمقدورك أن تعمله له فقل له: أبشر, كأن يريد منك مالاً أو مساعدة أو يريد أن تعينه بأمر من الأمور فتقول له: أبشر, فهذا مما ورد في السنة.