أما بالنسبة لمن يُستحب أن يهدي إليهم الإنسان ويبدأ بهم، فقد جاء في صحيح البخاري في كتاب الهبة أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدةً لها -جارية- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام:(لو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك) يعني لو أعطيتها بعض أخوالك، كان أعظم لأجرك من العتق؛ لأنهم قد يكون بهم حاجة، فإعطاؤها إياهم أحسن وأكثر أجراً.
وكذلك من الضوابط في مسألة الإهداءات أن نبدأ بمن جاء في صحيح البخاري في كتاب الشفعة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:(قلت: يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً) فالجار الأقرب يُبدأ به في الهدية؛ لأن الإنسان قد تكون مقدرته محدودة على الإهداء، ليس عنده هدايا كثيرة تسع الجميع، فيبدأ بالأقرب باباً بالنسبة لهدايا الجيران.
وكذلك من الأحوال التي يتأكد فيها الإهداء: إذا احتاج الناس، إذا كانت هناك حاجة كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي:[أن رجلاً من الصحابة رضي الله عنه صنع طعاماً فلما أوشك على النضج جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! طعيمٌ لي -طعيم: تصغير طعام، أي: هو قليل- فقم أنت يا رسول الله! ورجلٌ أو رجلان] عندي طعيم لو تأتي أنت ورجل أو رجلان قال: (كم هو؟ فذكرت له كم هو مقدار الطعام، فقال: كثيرٌ طيب).
ثم قال:(قل لها -يعني لزوجتك التي تطبخ الطعام- لا تنزعي البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قوموا) ومن حوله كان المهاجرون والأنصار، فقام المهاجرون والأنصار، والرجل يريد واحداً أو اثنين أو ثلاثة بالكثير، فالنبي عليه الصلاة والسلام نادى المهاجرين والأنصار فلما دخل على امرأته قال:(ويحك -مصيبة- جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار، فقالت المرأة -وكانت فقيهة-: هل سألك عن مقدار الطعام؟! قلت: نعم.
فاطمأنت) لأنه ما دام يعلم أن الطعام قليل ومع ذلك دعاهم، فلا بد أن يكون هناك سبب، فلما دخلوا قال:(ادخلوا ولا تباغطوا -النبي صلى الله عليه وسلم- فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقيت بقية، فقال عليه الصلاة والسلام للمرأة: كلي هذا واهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة).
فإذاً: تتأكد أن الهدية احتاج الناس إليها وصارت حاجة، فيكون إرسالها فيه أجر عظيم.
وبالنسبة لبعض الهدايا التي يتأكد عدم ردها: ما كان غير ذي مئونة ولا فيه كلفة، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عُرض عليه ريحانٌ فلا يرده؛ لأنه خفيف المحمل طيب الرائحة) رواه أحمد وأبو داود، وصحح إسناده في صحيح الجامع الصغير.