كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، ثم يستأجر لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويُطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زيٍ وأكمل مروءة حتى يَصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة؟ فيقول: كذا وكذا، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو البلدة الأصلية، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته وعليها اسمه.
أيها الإخوة: وهناك من الناس الأغنياء والأثرياء من يصطحب معه أناساً في السفر؛ يُنفق عليهم ويُغدق عليهم ولكن في أي مجال؟ عليه مهر البغي، وأجرة الزانية، وثمن المشروب (الخمر والمسكرات) وتذاكر الطائرة إلى أمكنة الفجور، وأجرة النزول في الفندق الذي يقارفون فيه المعاصي، وهكذا، فيرجع إلى بلده وأهله وقد ازداد إثماً على إثم بما سهل له من الشر، نسأل الله السلامة.