[تنبيهات مهمة تتعلق بتلاوة القرآن]
١ - هناك أشياء تتعلق بالمصحف لا علاقة لها بالتلاوة، مثل: احترام المصحف، وأن لا يضع فوقه أي شيء، ولا يتوسده، ولا ينام عليه، ولا يُسافر به إلى أرض العدو.
ومما يمكن أن يقال أيضاً في موضوع آداب التلاوة: عدم استعمال القرآن في غير ما أنزل فيه، كالذي يقول إذا أراد الطعام: آتنا غدائنا ونحو ذلك.
إذا قصد بها هذا فهي بدعة، أو أنه لا يتكلم إلا بالقرآن هذه بدعة، قال في المغني: "لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام"، أي: كلما أراد أن يتكلم بكلمة أتى بشيء من القرآن.
٣ - من المسائل أيضاً: جواز تضمينه في الكلام والشعر إذا قصدَ مصلحةً شرعية، فلو قال أحد: ما حكم أن تجعل آية شطر بيت، أو أن يجعلها في خطبة؟ يضمنها ويستشهد، مثلاً أي: لو أن أحداً تكلم عن التبرج والسفور ونحو ذلك، وذكر مفاسده، ثم ذكر كثرة الواقعين فيه، وذكر قلة الغيرة، وذكر الآيات، ثم قال: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء:٧٨]، هذا اقتباس من القرآن، فإذا لم يأتِ به على سبيل العبث فلا بأس به.
كما قال بعضهم: وهناك فتنٌ كثيرة عمت المسلمين، ويحاول كثيرٌ منهم الخروج منها، ولكن {مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:٢١]، وهذا جزء من آية، فإذا كان مقصده شرعياً، والكلام الذي يقوله صحيح، فلا بأس بهذا الاقتباس، وقد أنشدوا في الشعر:
ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين
ولم يُنكر على ذلك الشاعر.
وبالنسبة لقراءة القرآن للماشي والراكب والمضطجع والسائر في الطريق فلا بأس بذلك، والقراءة في الحمّام الذي فيه مكان قضاء الحاجة لا يجوز، ومكان الاغتسال في الحمامات القديمة، وقد قال بعض العلماء: "وتكره القراءة في الحمام، لأنه مكان تكشف فيه العورات" هنا في الحمامات القديمة التي هي معدة للاغتسال.
أما القراءة في السوق ففيها تفصيل، فإن كان يقصد تنبيههم برفع صوته بذلك ووعظهم فلا بأس، وقد ذكر ابن عقيل في كتابه الفنون حواراً في الموضوع، قال في آخره: "ولعل أهل السوق يسمعون النهي عن مراباةٍ أو معصية فيتركونها، أما إذا قرأ في السوق للتسول مثلاً أو لغرض آخر غير شرعي فإنه لا يجوز".
٦ - وبالنسبة لحديث الحال للمرتحل، الذي أخرجه الترمذي فهو حديثٌ ضعيف، والمقصود به: أن القارئ إذا انتهى من ختمة شرع في الختمة التي بعدها مباشرةً حتى يعطيه حماساً لإكمال الختمة، لو ختم وانتهى وما أكمل، ربما يقول: الحمد لله! أنا ختمت فلا يُشرع في الختمة الجديدة إلا بعد فترة، فتفتر همته.
فلذلك قالوا: إذا انتهى من ختمة يشرع في الختمة التي بعدها مباشرة ولو كانت آيات قليلة من سورة البقرة، فما حكم ذلك؟ نقول: حديث الحال للمرتحل حديثٌ غير صحيح لم يثبت، قال الترمذي: حديثٌ غريب، ثم رواه عن زرارة مرسلاً، ثم قال: هذا عندي أصح، فالحديث ضعيف، إذا اعتقد الإنسان أن من السنة أنه إذا ختم أن يشرع في الختمة الثانية ويقرأ الفاتحة وخمس آيات من البقرة على ما عينه بعضهم فهذه تصبح بدعة، وهذا رأي الإمام أحمد رحمه الله، لأنه لا يوجد فيها نص.
لكن لو أنه شرع في الختمة الجديدة من باب أن يحفز نفسه على المواصلة في القراءة فلا بأس بذلك، إذا لم يعتقد أنها سنة، ولا يعين آيات معينة، ويدخل في الختمة الجديدة بآيتين بثلاث، بعشر، بعشرين، لا يعين شيئاً معيناً بالدخول في الختمة الجديدة.
٧ - وبالنسبة لاجتماع بعض الناس للقراءة في بعض المساجد في بعض البلدان يختمون المصحف، كل واحد يمسك جزء، أو بطريقة الإدارة هذا يقرأ، وهذا يقرأ، وهذا يقرأ، فينهون سورة، واليوم الذي بعده وهكذا إلى أن يختم المصحف؛ فهذه طريقة الإدارة فيها خلاف بين العلماء ذكرناه، وبعضهم أجازها، وبعضهم قال: هي بدعة، وبعضهم قال: مكروهة، وقلنا: إذا كانت للتعليم أو للتحفيظ فلا بأس، لكن الذي ورد عن الصحابة أنهم كانوا إذا اجتمعوا أمروا واحداً أن يقرأ واستمع الباقون.
٨ - وبالنسبة إذا كان في الصيف استحب بعض أهل العلم أن يختم في النهار، وإذا كان في الشتاء أن يختم في الليل، لماذا؟ حتى يبتدأ بالختمة الجديدة، لأنه إذا انتهى في الليل، فمثلاً: أنهاه بعد المغرب والليل طويل، فالسحر يقول: أشرع في ختمة جديدة، ويتحمس في الصيف إذا ختمه في النهار والنهار طويل، يقول: من غير المعقول أن أجلس كل النهار لا أقرأ شيئاً، فيشرع في الختمة الجديدة.
وهذا مستحب عند أهل العلم بدون دليل، لكن لأجل التشجيع أن يبدأ بختمةٍ جديدة.
٩ - أما بالنسبة لموضوع افتتاح الحفلات بقراءة القرآن، وهو أمرٌ مشهورٌ متعارف عليه وشائع، فلا شك أنه ليس من طريقة السلف أنهم إذا اجتمعوا بأمور مهمة كإنفاذ جيش أو اختيار خليفة ونحو ذلك أمروا واحداً أن يقرأ القرآن في بداية الاجتماع، فلا شك أن قضية افتتاح الحفلات في القرآن ليست من طريقة السلف، لكن إن فُعلت أحياناً من باب تذكير الحاضرين مثلاً دون المواظبة عليها، وليس كل حفلة نفتتحها بالقرآن فلا بأس بذلك، وكذلك إذا كان المجتمع ليس من المجتمعات التي فيها خلط اللهو بالجد والحق بالباطل، فيكون القرآن كنوع من التلبيس والتغطية لما يدور بعد ذلك من منكرات.
هذا ما تيسر جمعه في موضوع آداب التلاوة، وفي الدرس القادم إن شاء الله نبدأ في آداب المشي.