وكذلك من أدب الكلام والحديث: عدم مقاطعة حديث الناس، فإذا دخلت على أناس يتكلمون فلا تقطع حديثهم، فإن قطع الحديث مخالف للأدب، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس قال:[حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرار، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم -أي: لا تأت تعظ القوم وتعلمهم وهم يتحدثون بحديث فتقول لهم: اسكتوا، أنصتوا، أو عندي كلام، وعندهم حديث يتحدثون به، ولكن أنصت- ثم قال ابن عباس -وهو يُعلم الوعاظ والدعاة-: فإذا أمروك فحدثهم] أي: إذا قالوا لك: حدثنا أو ذكرنا أو عظنا يا فلان، فحدثهم؛ لأنك إذا حدثتهم بناءً على طلبهم؛ فإن الحديث يكون أشهى لهم، وأكثر موقعاً في نفوسهم من أن تبادئهم أنت وتطلب الإنصات.
لكن الإنسان قد يحتاج إلى الإنصات في موضع يكون فيه أناس لا يذكرون الله؛ بل ربما يقعون في معاصٍ، فعند هذا يقوم أحدهم ويقول: يا أيها الإخوة! أنصتوا، عندنا فلان يريد أن يتكلم، أو نريد أن نسمع كلامه بدلاً من الكلام الفارغ، لكن الناس عندهم حديث مشترك قد اجتمعوا عليه، فلا تدخل عليهم فتقطع حديثهم، لكن انتظر، واجلس إليهم، وأنصت، فإذا طلبوا منك الحديث تحدث، فإن الإسلام آداب.
[وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك] أي: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب ولا يتكلفون في الدعاء، ولا يأتون بالسجع المكروه المتكلف، الذي يضيع الخشوع في الدعاء، واستنبط منه ابن حجر -رحمه الله-كراهية التحديث عند من لا يقبل عليك، والنهي عن قطع حديث غيره، وأنه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يحرص عليه، وأن يحدث من يشتهي سماعه لأنه أجدر أن ينتفع به.