[كلام الأدباء في التهاني]
وبالنسبة لما ورد في كلام بعض الأدباء أو ما نقل في التهاني فقد ذكر ابن قتيبة رحمه الله في عود الأخبار فصلاً في التهاني، ذكر فيه بعض الأشياء, فمما ذكره أثر الحسن المتقدم، وكذلك الدعاء للمتزوج باليُمن والبركة, وقد ورد في التهنئة بالنكاح باليمن والبركة وعلى خير طائر, يعني: دعاء بأن يكون المنقلب في هذا الزواج منقلباً حسناً.
وكذلك قال: كتب بعض الكتاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقل وعلى أيمن طائر ولأحسن إبان، أنزلك الله عاجلاً وآجلاً خير منازل المشركين.
هذا مما ورد في كتابات بعضهم.
وكتب رجل من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد لله الذي أرشد أمرك، وخص بالتوفيق عزمك, وأوضح فضيلة عقلك, ورجاحة رأيك, فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أوتيتها لتدوم بك على غواية وديانة شائنة لا تليق بلبك.
قال: حمد لله الذي هداه للإسلام، والدين الذي لا يقبل غيره، وأن الله قال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥].
قال: والحمد لله الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه, وجعله من أهل ولايته, وشرفه بولاء خليفته, وهنأك الله نعمته, وأعانك على شكره, فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودته وموالاته بعد التأثم من خلطتك -كنا نتأثم من مخالطتك ونعتبرها إثماً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) - ومخالفة الحق بمشايعتك، فإن الله عز وجل يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:٢٢].
وكتب رجل إلى آخر يهنئه بفطام مولود فقال مما كتبه له في التهنئة: وكل ما نقَّل الله الفتى وبلغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النمو فنعمة من الله حادثة تلزم الشكر, وحق يجب قضاؤه بالتهنئة.
وكتبت مهنئاً بتجدد النعمة عندكم فيه، فالحمد لله المتطول علينا قبله بما هو أهله, والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته, وهنأك الله النعم, وصانها عندك من الغير -أي: التغير والتبدل- وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف, وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين بمنه وفضله.
وكتب بعضهم مهنئاً آخر بالحج: وأنا أسأل الله الذي أوفدك إلى بيته الحرام وأوردك حرمه سالماً وأصدرك عنه غانماً، ومنّ بك على أوليائك وخدمك أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك بتقبل السعي ونجح الطلبة.
أي: المطلوب أن يستجيب الله له وتعريف الإجابة.
وكذلك كتب بعضهم إلى آخر يهنئه بولاية -حصل على وظيفة عالية- فكتب له وقال: وبلغني خبر الولاية التي وليتها فكنت شريكك في السرور، وعديلك في الارتياح، فسألت الله أن يعرفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها إلخ.
وعلى أية حال فإن التهنئة في مثل هذا أمر طيب, وهناك مناسبات لم ترد في السنة، لكن يكتب الإنسان رسالة أو يهنئ باللفظ أو يأتي الشخص أو يرسل له, فهذه كلها تدخل في عموم ما ورد من التهنئة بالمناسبات السارة, كما لو نجح نجاحاً فهنأه: مبارك عليك هذا النجاح، أو جعله الله لك عوناً على طاعته، أو جعل الله هذه الشهادة مما يعمل بها في سبيله أو لخدمة دينه ونحو ذلك, هذه كلها من التهاني وتدخل في عموم التهنئة.
إذاً: أصل التهنئة مشروع وما ثبت منه يلتزمه الإنسان ويواظب عليه، مثل التهنئة بالنكاح، فهي ثابتة بألفاظ معينة, وإذا لم يثبت فيه شيء فالأمر فيه سعة، ويهنئ الإنسان بما شاء من الألفاظ ما دام أنه لا يعتقد أنها سنة، ولا يواظب عليه مواظبته على الأذكار الشرعية, هذا بالنسبة للبشارة والتهنئة، وبذلك نكون قد أنهينا هذا الموضوع.
طبعاً بالنسبة للتهنئة بأعياد الكفار: لا شك أنه يحرم التهنئة بأعياد الكفار، وهذا مما يخل بعقيدة الولاء والبراء, فإنه لا يجوز تهنئة الكفار بحال في أعيادهم؛ لأن في تهنئتهم إقراراً لهم على باطلهم, فإذا هنأهم بعيدهم فكأنه يقرهم عليه، وأنه قد فرح وسر به، مع أن أعيادهم شيء ديني, فالأعياد مناسبات دينية وليست مناسبات دنيوية، ولهذا ما تتأمل في أعياد أمم الأرض إلا وتجد أنها مرتبطة بمناسبة دينية, فمثلاً: إذا قالوا: عيد الميلاد، هم يحتفلون بميلاد من؟ المسيح الذي هو ربهم أو ابن الله عندهم, كذلك إذا قالوا: عيد الفصح أو عيد الشكر ونحوه, هذه الأعياد عندهم في عقائدهم -اليهود والنصارى- أعياد دينية، فلما يهنئهم معنى ذلك أنهم يقرهم ويشاركهم فيها ويقرهم عليها ولا شك أن هذا حرام.