ومن آداب الكلام: أن يترسل فيه ترسلاً، ويكون في أثناء أدائه على تؤدة وعلى تمهل ليفهم ويحفظ، فقد روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عن عائشة رضي الله عنها:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه) لو أن أحداً يعد عند النبي عليه الصلاة والسلام لاستطاع أن يعد الكلمات أو المفردات أو الحروف، ويطيق ذلك ويبلغه إلى آخر الحديث، والمراد بقولها رضي الله عنها: المبالغة في الترتيل والتفهيم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرتل كلامه، وليس المقصود أن يلحنه وإنما يتأنى فيه.
قال ابن شهاب: أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت: (ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح -أتنفل- فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته -أي: هذا الراوي الذي يروي الأحاديث بسرعة بجانب حجرتي ليحدث الناس، لأن حجرة عائشة كانت بجانب المسجد- لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم) هذا في رواية البخاري -رحمه الله.
ومعنى قولها:"لرددت عليه" أي: لأنكرت عليه وبينت له أن الترتيل والترديد والتؤدة والتمهل في الحديث أولى من السرد والإسراع، ومعنى قول عائشة:(لم يكن يسرد الحديث كسردكم) أي: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض؛ لئلا يلتبس على المستمع، وفي رواية للإسماعيلي (إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاً فهماً تفهمه القلوب) أي: شيئاً تفهمه القلوب.
وروى أبو داود -رحمه الله تعالى- عن عائشة قالت:(كان كلامه صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً -مفصولاً بين أجزائه وواضحاً- يفهمه كل من سمعه) وعند أبي داود -أيضاً- في الحديث الصحيح:(كان في كلامه صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل)، والترتيل: هو التأني والتمهل في تبيين الحروف والكلمات، وهو والترسيل بمعنى واحد.
إذاً كان في عرض كلامه عليه الصلاة والسلام ترتيل وترسل وتأني، لكنه ليس بطئاً شديداً ينفر السامع؛ لأن بعض الناس عندهم بطء شديد في الحديث؛ بحيث أن السامع ينفر من سماعه.