[من آداب المسجد: المشي إليه بسكينة ووقار]
ومن آداب حضور المساجد -أيضاً-: أن يمشي إليها بسكينة ووقار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: (إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن أُتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة؛ فهو في صلاة)، وفي رواية: (ولكن يمشي وعليه السكنية والوقار) فهذا يبين الأدب في حضور المساجد فما تعريف السكينة وما تعريف الوقار؟ أما السكينة فهي التأني في الحركات واجتناب العبث؛ فإذا كان الماشي إلى المسجد يتقفز في مشيته أو يعبث بأي شيء من العبث يفرقع الأصابع يعمل حركات بيديه أو رجليه؛ فإن هذا لا يعتبر أنه جاء إلى المسجد وعليه السكينة.
وأما الوقار فقد عرفوه بأنه: غض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، وإذا جاء إلى المسجد بهذه الصفات يكون قد حصل ثلاثة أمور: أولاً: الراحة والطمأنينة؛ لأنه إذا أسرع ودخل الصلاة على هذه الحال من السرعة؛ فإنه يدخل في الصلاة فلا يحصل له تمام الخشوع، بخلاف ما لو إذا دخل الصلاة وهو ساكن مرتاح، فإنه يكون إلى الخضوع والخشوع أقرب.
ثانياً: أنه يكون قد امتثل قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة).
أي: في حكم المصلي، فينبغي عليه اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده، واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه.
ثالثاً: يحصل له كثرة الخطا التي يفوت منها شيء من السرعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن لكم بكل خطوة درجة) رواه مسلم، وفي رواية: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنه، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حطَّ الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد).
فعلى المصلي أن يخرج بسكينة ووقار ويجتنب العبث، ولا يتكلم بالكلام القبيح، وهذه السكينة والوقار مأمور بها عموماً، وكذلك منهي عن الإسراع عموماً، لا فرق بين أن يخاف فوات تكبيرة الإحرام، أو يخاف فوات الركعة، أو يخاف فوات الصلاة بالكلية.
إذاً: لا يسرع ولا يهرول ولا يعدو؛ سواء خاف فوات تكبيرة الإحرام، أو خاف فوات الركعة، أو خاف فوات الصلاة بالكلية؛ لأنه وهو يمشي إلى الصلاة فهو في صلاة، فلا يليق به أن يهرول وهو في صلاة، والأصل أن هذا الحكم يعم صلاة الجمعة وغير الجمعة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اجتهد في أن من خشي أن تفوته الركعة الأخيرة من الجمعة إذا لم يسرع، فلا بأس أن يسرع حتى لا تفوته الركعة الأخيرة من الجمعة؛ لأنه إذا فاتته، فاتته الجمعة وصلَّى ظهراً وليس له جمعة، وهذا اجتهاده رحمه الله في هذه المسألة.
وأما بقية الحالات فلا يجوز الإسراع، وأكثر الداخلين إلى المساجد يُخلِّون بهذا الأدب، فيسرعون ويشوشون على أنفسهم بالعجلة وعدم التأني، ويشوشون -أيضاً- على إخوانهم المسلمين والمصلين، بأصوات الأحذية، وحركات الأرجل، وعلى الإمام بالنحنحة وغير ذلك، وربما اجتهد أحدهم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٣] وجهر بها ونحو ذلك، أو قعقع بمفاتيحه، وكل هذا مخالف لآداب الصلاة وحضور المساجد.
إن قال قائل: ما معنى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩]؟ فقد تقدم الكلام بأنه لا يكون معناه الإسراع والعدو مطلقاً، وإنما المعنى: سرعة المبادرة والاجتهاد في الحضور، على أن النبي عليه الصلاة والسلام ربما أسرع لصلاة الكسوف بالذات، قام مسرعاً إليها فزعاً أن تكون الساعة قد قامت.