[الأحوال التي ترد فيها الهدية]
ما هي الأحوال التي ترد فيها الهدية؟ أولاً: هل ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام رد هدايا؟ نعم.
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رد هدايا بعض المشركين، وقال -أيضاً- في الحديث الصحيح: (وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من أحدٍ هدية إلا أن يكون مهاجراً قرشياً أو أنصارياً أو دوسياً أو ثقفياً) والسبب أن أعرابياً وهب النبي عليه الصلاة والسلام ناقة فأثابه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فقال: (أرضيت؟ قال: لا.
فزاده حتى عوضه ست بكرات) هذا الأعرابي كأنه يريد بالهدية أن يأخذ أكثر منها.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه العبارة الشديدة: أنه هم ألا يقبل هدية إلا من هؤلاء الأحياء من العرب، قال: (إن فلاناً أهدى إلي ناقةً فعوضته عنها ست بكرات، فضل ساخطاً، ولقد هممت ألا أقبل هديةً إلا من قرشي أو أنصاريٍ أو ثقفيٍ أو دوسي) رواه أحمد والترمذي.
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن رجالاً من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه منها بقدر ما عندي، ثم يتسخطه فيظل يتسخط فيه عليّ، وايم الله! لا أقبل بعد مقامي هذا من رجلٍ من العرب هدية إلا من قرشيٍ أو أنصاريٍ أو ثقفيٍ أو دوسي) لأن هؤلاء لا يفعلون هذه الأفاعيل، هؤلاء الأربعة الأحياء من العرب معروفون بجودة الأخلاق، فالواحد منهم لا يلجأ إلى هذه الأساليب الملتوية، ثم يتسخط إذا أُعطي رداً عليها.
فالإنسان إذا أحس أن الشخص يُريد بالهدية إحراجه، فإن له أن يردها، وإذا كانت الهدية من حرام، فإنه يجب ردها.
وإن كانت فيها شبهة فإنه يستحب له أن يردها، وإذا كانت رشوة، فإنه يجب عليه أن يردها، كأن يكون موظفاً صاحب منصب ولولا وظيفته ما أعطي الهدية، أو يكون موظفاً في الجوازات، أو موظفاً في المصلحة الفلانية، فإذا جاءته هدية من معقب الشركة، قال: هذه الشركة تهدي لك هذه الهدية، فلا يأخذها، لأنه يجوز له ذلك، ولو كان في غير هذه الوظيفة ما أعطوه، لكن لو أن جاره أو قريبه أعطاه، فليقبلها؛ لأنها ما جاءت من أجل أنه موظف في هذه الدائرة التي يراجعها الناس، وإنما جاءت لأنه قريب أو جار.
فإذاً: إذا اشتم منها رائحة التهمة أو الرشوة أو الريبة فإنه يردها.
فإذاً هناك بعض الحالات التي يجب فيها رد الهدية، أو يستحب فيها رد الهدية.
كذلك لو أهداك إياها فاجر فاسق، أو كافر يريد بالهدية أن يبقى له منةٌ عليك، حتى إذا قابلك انكسرت عينك وذلت نفسك له، ففي هذه الحالة لا تقبلها، لكن إذا جاءتك الهدية سليمة نقية ما فيها شائبة ولا ريبة ولا شبهة ولا حرمة فاقبلها ولا تردها، وربما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا وهو لا يحبها، لا يحبها من جهة نفسه؛ لأن نفسه لا تشتهيها لكن يأخذها إكراماً لصحابها، كما جاء في كتاب الهبة في صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس قال: [أهدت أم حفيدة خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطاً وسمناً وأضباً -جمع ضب- فأكل النبي من الأقط والسمن وترك الضب تقذراً -نفسه تعافه؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، لم يكن من طعام قريش- وأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان حراماً لما أكل على مائدته].
إذاً: يأخذ الإنسان الطعام ولو كانت هذه الأكلة لا تعجبه، فيأخذها ويعطيها إلى أناس آخرين.
بعض الأحيان قد يطبخ جيرانك طعاماً، ويهدوك منه، وأنت لا يعجبك هذا النوع من الطعام مطلقاً، فلا غضاضة عليك لو أخذته وطيبت خاطرهم بأخذه، ثم أعطيته بعض الفقراء أو العمال أو المساكين، أو الناس الآخرين فهم يأكلونه أو يستفيدون منه.