للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آداب أخرى تجب على الضيف]

وكذلك مما ذكروه في آداب الضيف: أن صاحب الطعام يبدأ بالضيف قبل نفسه، ثم إن الضيف لا يقطع أشياء يشق على صاحب البيت تقطيعها، ولا يتصرف في الطعام تصرفاً يضايق صاحب البيت، ولو أنه دعي إلى طعام وجاء معه من لم يدعى فماذا يفعل؟ ماذا يفعل الضيف إذا جاء معه شخصٌ غير مدعوٍ؟ جاء في صحيح مسلم: باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام، واستحباب إذن صاحب الطعام التابع وأتى بحديث: أن رجلاً من الأنصار يقال له أبو شعيب صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً ثم دعاه خامس خمسة وأتبعهم رجل فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع؟ قال: لا.

بل آذن له يا رسول الله!) فإذاً ماذا يفعل الضيف؟ إذا جاء معه شخص ليس مدعو؟ الضيف يقول للمضيف: فلان جاء معي أتأذن له؟ فإن أذن دخل وإن لم يأذن رجع.

ومشكلة بعض الإخوان أحياناً إذا جاء عالم إلى مكان ودعي إلى بيت فيأتي مع العالم هذا ناس ويستحلون بيت صاحب الوليمة بدون حرج ويحرجونه، فنفرض -مثلاً- أن أحد العلماء الكبار جاء إلى هذا البلد فقام أحد طلبة العلم أو أحد الأشخاص ودعا العالم إلى بيته يعني: حسب حساب واحد اثنين ثلاثة خمسة، فبعض هؤلاء الشباب يأتون مع هذا الشيخ, ويقولون: أين سيذهب الشيخ؟ فيقال: معزوم عند فلان فتذهب خمس سيارات أو عشر سيارات، ثم يدخلون، الرجل استعد لخمسة أشخاص فجاء ثلاثون شخصاً ففيها إحراج ولا شك، ولذلك ينبغي على الإخوان أن ينتبهوا لمثل هذا؛ لأن فيه إثم وإحراج لصاحب البيت، وإذا أكلوا طعاماً لا يسمح به وليس بطيب نفسٍ منه.

كان الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يدعى إلى وليمة، وكان الشيخ محمد بن صالح العثيمين تلميذاً عنده، فكان ينتهز الفرصة ويذهب مع الشيخ في الطريق يسأله - ابن عثيمين يسأل السعدي في الطريق إلى الوليمة- إلى الباب ثم يرجع إلا إن أذن له صاحب البيت أو لزم عليه ولم ير الشيخ مانعاً في الدخول أو لا يضيع الوقت عليه دخل، فإذاً لا مانع من مرافقة العالم إلى المكان الذي دعي إليه لكن لا يدخل معه، تريد أن تستفيد من الطريق أم أن تستفيد من البطن؟ فإلصاق النفس في الحقيقة فيه حرج شرعي وإثم.

وكان جارٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسياً طيب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً ثم جاء يدعوه فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (وهذه؟ يشير إلى عائشة فقال: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.

فعاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ فقال: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.

ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ قال: نعم -في الثالثة- فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله).

فينبغي على الضيف أن يستأذن لمن معه أو يأمرهم بالرجوع إذا أحس أن هناك حرج على صاحب البيت، وينبغي على صاحب البيت أن يتلطف في الرد، وكذلك فإن الضيف لا يأتي معه بمن يؤذي صاحب البيت دخوله.

ومن آداب الضيف: أنه لا يتقدم على صاحب البيت في الإمامة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) ولأن في التقدم عليه إزراء به وليس هذا من حسن الخلق.

وينبغي على الضيف إذا نزل أن يحذر من إتلاف شيءٍ من أثاث ومتاع صاحب البيت، فإن بعض الضيوف إذا جاءوا إلى البيت كسروا وأطلقوا لأولادهم العنان فتراهم يكسرون في ممتلكات صاحب البيت، ويوسخون السجاد، وترى (الآيسكريم) على الفراش، والحلاوى على الحيطان وهذا شيء سيئ جداً.

روى عبد الرزاق رحمه الله -والحديث في الترمذي - قال: [نزل بـ عائشة ضيفٌ فأمرت له بملحفة صفراء مما يلتحف به فاحتلم فيها، فأصاب اللحاف شيء فاستحيا أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لما أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصبعه ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعي].

ورواية الترمذي: [ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء، فنام فيها فاحتلم فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها بالماء ثم أرسل بها فقالت عائشة: لما أفسد علينا ثوبنا إنما كان يكفيه] وذكر الحديث، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهو قول واحدٍ من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قال في المني يصيب الثوب: يجزئه الفرك وإن لم يغسل، فإذاً لينتبه الضيف من إفساد متاع أصحاب البيت، أو ترك الأولاد يعبثون في الأشياء ويكسرونها؛ فهذا ليس متاعاً له وإنما هي حقوق الناس، وفي الحقيقة يغرم إذا تعدى، وإذا ترك أولاده يفسدون يغرم لكن إذا تلف شيءٌ بدون تفريطٍ منه فلا يضمن.

وينبغي على الضيف المبادرة إلى الأكل إذا دعي، فإن السنة إذا قدم الطعام أن يبادر بالأكل؛ لأنه كرامة لصاحب المنزل فلما قبضت الملائكة أيديهم نكرهم إبراهيم؛ لأنهم خرجوا عن العادة وخاف أن يكون من ورائهم شر، فقبول الكرامة والأكل منها فيه تطييب لخاطر صاحب البيت، والرفض فيه شيء من الإهانة والإزعاج، كما قال ابن العربي في أحكام القرآن، وقال عبد العزيز البخاري في كشف الأسرار شرح البزدوي: ألا ترى أن ترك الأكل عند الإباحة إساءة ودليل على العداوة، حتى أوجس الخليل صلوات الله عليه خيفة في نفسه من الضيف إذ لم يأكل من ضيافته.

وقال في المغني: والعرف يقتضي أن تقديم الطعام للضيف هو إذن له بأكله، ولا خلاف بين العلماء فيما علمناه بأن تقديم الطعام بين يدي الضيفان إذن بالأكل وأنه لا يحتاج إلى قبول بقوله، ووجد ما يدل على التراضي.

وإن من الكبائر سرقة الضيف من بيت المضيف الذي أدخله وأكرمه، فإذا سرق الضيف من مال مضيفه شيئاً نظر فإن سرقه من الموضع الذي أنزله فيه أو موضعٍ لم يحرزه عنه لم يقطع؛ لأنه لم يسرق من حرز، وإن سرق من موضعٍ محرزٍ دونه نظرت فإن كان منعه القرى -يعني: بخل وما ضيفه- فسرق بقدر ما منعه فلا قطع عليه، وإن لم يمنع قراه -يعني: ضيفه وأكرمه- فإن أخذ شيئاً من الحرز يقطع، وهذه ظاهرة موجودة في المجتمع، ويدخلون على أنهم ضيوفهم وهم في الحقيقة حرامية، وقد يقع ذلك عند النساء أيضاً تدخل بيت صاحبتها فتسرق الدروج، المحافظ، والشنط، وغيرها من الأشياء.

يقول لي أحدهم: دخلت بيتنا امرأة وقد وضعت مبلغاً في حقيبة فوق الدولاب وكانت زوجتي غائبة ثم رجعت وما انتبهت للحقيقة، ثم خرجت من الغرفة فأخذت الحقيبة أريد المال فما وجدت المال فقلت لها: انظري في شنطة هذه المرأة قال: فوجدنا فيها نفس المبلغ وقد وضعت فيها فئات مختلفة فوجدنا نفس تلك الفئات، فهناك بعض من لا يتقي الله يعملون الكبائر، ثم أين؟ في بيت من أكرمهم.

أحضر لي شخص في المسجد قبل أيام فاتورة التلفون بمبلغ أربعين ألف ريال، وقال: حضرني أقرباء في عيد الأضحى وبعد أن غادروا جاءت الفاتورة بهذا المبلغ كله في المدة التي جلسوا فيها عندي في البيت.

فإذاً: هناك من يرتكب الكبائر العظيمة التي يزداد قبحها في حق من أكرمه وفتح له بيته وآواه وضيفه، فأين هم من ديان يوم الدين؟ ومن بعض المنكرات التي يفعلها بعض الناس من الضيوف أن يحلف بالطلاق على المضيف ألا يذبح له، ما دخل زوجته الآن؟! وهذا أصل المشكلة التكلف من أصحاب البيوت من المضيفين، والنبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن التكلف للضيف) والحديث في صحيح الجامع.

وفي الأوسط للطبراني عن شقيق بن سلمة قال: دخلنا على سلمان الفارسي فدعا بما كان في البيت، وقال: [لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف للضيف لتكلفت لكم].

فلا ينبغي للإنسان أن يتكلف، ولا ينبغي للضيف أن يحلف بالطلاق، يمكن أن يقول: لا تذبح، وإذا علم أن الرجل هذا سيستدين، ويرهق نفسه، ولو نهاه ما يذبح، يمكن يحلف عليه في الله، لو كان يخشى أنه يتكلف كلفة لا يطيقها، ثم إن بعض الناس يحلف وذاك يذبح، ثم لا هو استفاد من الحلف وذبحت الذبيحة ثم يأتي ليضع يده على الرز يقول: هذه تحليل يمينك يا فلان، ما علاقة وضع اليد على الرز بالأيمان.

مسألة فقهية: لو حلف عليه ألا يذبح فاكتشف أنه ذبح قبل أن يحلف قال: والله ما تذبح، قال: ذبحنا، ففي كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق في قاعدة تعذر المحلوف عليه قال: إذا حلف ضيف على صاحب الدار ألا يذبح فتبين أنه قد ذبح فلا حنث؛ لأن رفع الواقع محال، فإذاً لا تجب كفارة في هذه الحالة، ولا يكون حانثاً، إذا فات محلوفٌ عليه لمانعٍ إذا كان شرعياً فحلفة مطلقة، وإن كان كلٌ قد تقدم منهما فلا حنث.

<<  <  ج: ص:  >  >>