[أقوال عابرة في المزاح]
قال عمر بن عبد العزيز: " اتقوا المزاح فإنها حمقة تولد ضغينة ".
وقال: " إن المزاح سباب إلا أن صاحبه يضحك ".
وقيل: إنما سمي مزاحاً لأنه مُزيح عن الحق.
وقال إبراهيم النخعي: المزاح من سخط أو بطر.
وقيل في ميسور الحكم: المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب.
وقال بعض الحكماء: من كثر مزاحه زالت هيبته ومن كثر خلافه طابت غيبته.
وقال بعض البلغاء: من قلّ عقله كثر هزله.
وذكر خالد بن صفوان المزاح -وهو من الخطباء المشهورين- فقال: يصك أحد صاحبه بأشد من الجندل، وينشقه أحرق من الخردل, ويفرغ عليه أحرَّ من المرجل، ثم يقول: إنما كنت أمازحه بعد كل هذا الإيذاء، يقول: إنما كنت أمزح معك.
وقال بعض الحكماء: خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال، فنظمها بعض الشعراء، فقال:
شر مزاح المرء لا يقال وخيره يا صاح لا ينال
وقد يقال كثرة المزاح من الفتى تدعو إلى التلاح
إن المزاح بدؤه حلاوة لكنما آخره عداوة
يحقد منه الرجل الشريف ويجترئ بسخفه السخيف
لا تمازح الشريف يحقد ولا الدنيء يجترئ ويفسد
وقال بعضهم: ربما يستفتح المزح مغاليق الحمم، أي: الموت.
وقال بعضهم لولده: اقتصد في مزحك، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرئ السفهاء، وإن التقصير فيه يغض عنك المآنسين، ويوحش منك المصاحبين -يجعل بينك وبينهم وحشة- وإما أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه من سأم, أي: إذا كان المقصود بالمزاح نفي السآمة التي طرأت، مثلاً: حصل ملل في مجلس العلم، كأن يطول المجلس، فحصل فيه نوعٌ من السآمة، فأورد أحد الحاضرين طرفة قصد بهذه المزحة إزالة السآمة، فهذا أمرٌ محمود، وإما أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه من سأم، أو حدث به من همَّ أو غم، فقد قيل: لا بد للمصدور أن ينفس، أي: الذي في صدره شيء لا بد له من تنفيس.
وقال بعض الشعراء:
أروق القلب ببعض الهزل تجاهل مني بغير جهل
أمزح فيه مزح أهل فضل والمزح أحياناً جلاء العقل
وقال أبو الفتح البستي رحمه الله وهو صاحب القصيدة المشهورة:
زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران
أفض طبعك المكدود بالجد راحةً يجم وعلله بشيءٍ من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
إذاً: فليكن المزاح في الكلام مثل الملح في الطعام, وإذا لم يوجد بالمرة كان الكلام فيه شيء من السآمة, وإذا كثر أفسد، مثلما أن الملح إذا كثر في الطعام أفسده وما عاد مستساغاً، إما أن يكون غير مستساغ أو ممجوج.