جعل بعض العلماء الناس في الهدايا على ثلاث طبقات: هبة الرجل إلى من هو دونه، فهي إكرامٌ وإلطاف لا تقتضي الثواب والمكافأة بالمثل، فإذا استلمها هذا الأدون لا يستلزم ذلك أن يرد بهديةٍ مقابلها.
وثانياً: هبة النظير إلى نظيره.
وثالثاً: هبة الأدنى إلى الأعلى، إذا أهدى الأدنى للأعلى فإنه يكون من المؤكد في حق الأعلى أن يثيبه، وذلك بما جرت به العُرف والعادة.
فإذاً: حكم الإثابة على الهدية مستحب؛ لأنه ورد في السنة.
إذا أهداك إنسان هدية يُسن لك أن تهديه أخرى، وخصوصاً عندما يكون الذي أهداك أقل منك منزلة أو سناً -مثلاً- والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال:(من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).
وقد أهدى أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فعوضه صلى الله عليه وسلم ستة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يشكر الله من لا يشكر الناس) فالهدية على الهدية من شكر الناس.
إذاً: دخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) الهدية على الهدية، وجاء في قوله عليه الصلاة والسلام:(من أُعطي عطاء فليجز به إن وجد، وإن لم يجد فليثن به، فإن من أثنى به فقد شكر، ومن كتمه فقد كفره، ومن تشبع بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور).
وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وإذا لم يجد شيئاً، فأقل شيء أن يدعو لمن أهدى له الهدية، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وحسنه:(من صُنع إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء، وأجزل له في العطاء).
وينبغي كذلك على المدعو له أن يبادل الدعاء بدعاء، كأن يقول له: وجزاك، أو وإياك، ونحو ذلك، وقد قالت عائشة رضي الله عنها:(أُهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقال: اقسميها، فكانت عائشة إذا رجع الخادم تقول: ما قالوا؟) عندما ترسل عائشة الهدية أو العطية مع الخادم إلى شخصٍ آخر أو بيت ناس، تسأل الخادم إذا رجع، تقول له: ماذا قال أهل البيت لما أعطيتهم ما أرسلنا به إليهم؟ فيقول الخادم:(قالوا: بارك الله فيكم، فتقول عائشة: وفيهم بارك الله، نرد عليهم مثلما قالوا، ويبقى أجرنا لنا).