منعت لذة خيراً منها، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة، وهي لذة الدار الآخرة، ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله كما قال سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)} [النحل: ٣٠].
والله عزَّ وجلَّ إنما خلق الخلق لدار القرار، وجعل اللذة كلها بأسرها فيها، فالدنيا متاع فتمتع بها إلى غيرها، والآخرة هي المستقر والغاية.
كما قال سبحانه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧)} [النساء: ٧٧].
فلذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلى لذات الآخرة، ولذلك خلقت كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأةُ الصَّالِحَةُ» أخرجه مسلم (١).
فكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهي محبوبة للرب مرضية له، وصاحبها يتلذذ بها من وجهين:
من جهة تنعمه وقرة عينه بها.
ومن جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه، وإفضائها إلى لذة أكمل منها.
فهذه اللذه هي التي ينبغي للعاقل أن يسعى في تحصيلها، لا اللذة الي تعقبه غاية الألم، وتفوت عليه أعظم اللذات، ولهذا يثاب المؤمن على كل ما يلتذ به من المباحات إذا قصد به الإعانة والتوصل إلى لذات الآخرة ونعيمها، فيثاب مثلاً على أكل الطيبات، وعلى وطء زوجته، وعلى سماع القرآن، وعلى النظر في ملكوت السموات والأرض.
ويعاقب الإنسان على أكل المحرمات والخبائث، وعلى الزنا، وعلى السرقة، وعلى السماع والنظر إلى المحرمات.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَفِي بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَأتِي أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ، قال: أرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا