[٣٩ - فقه الغيرة]
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} [الأعراف: ٣٣].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحَدَ أغْيَرُ مِنَ الله، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا شَيْءَ أحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ الله، وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» متفق عليه (١).
الغيرة منزلة شريفة جداً، وهي نوعان:
غيرة من الشيء .. وغيرة على الشيء.
والغيرة على الشيء: هي شدة حرصك على المحبوب أن يفوز به غيرك.
والغيرة من الشيء: هي كراهة مزاحمته ومشاركته لك في محبوبك.
والغيرة باعتبار من يغار قسمان:
غيرة الحق تعالى على عبده .. وغيرة العبد لربه لا عليه.
فأما غيرة الرب على عبده فهى أن لا يجعله للخلق عبداً، بل يتخذه لنفسه عبداً، فلا يجعل له فيه شركاء متشاكسين، بل يفرده لنفسه، ويضن به على غيره، وهذا أعلى الغيرتين.
أما غيرة العبد لربه فنوعان:
فالتي من نفسه: أن لا يجعل شيئاً من أعماله وأقواله وأحواله وأوقاته وأنفاسه لغير ربه عزَّ وجلَّ.
والتي من غيره: أن يغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون، ولحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون، وغيرة العبد من نفسه أهم من غيرته من غيره، ولا أحد أغير من الله أبداً.
ولذلك لم يجعل الكفار أهلاً لفهم كلامه، ولا أهلاً لمعرفته، وتوحيده ومحبته، فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجاباً مستوراً عن العيون، غيرة عليه
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٦٣٤) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٧٦٠).