أن يناله من ليس أهلاً له كما قال سبحانه: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)} [الإسراء: ٤٥].
والغيرة: هي عجز الغيور عن احتمال ما يشغله عن محبوبه، ويحجبه عنه ضناَ به أن يعتاض عنه بغيره، وأن يضيق ذرعه بالصبر عن محبوبه.
وهذا هو الصبر الذي لا يذم من أنواع الصبر سواه، والحامل له على هذا الضيق مغالاته بمحبوبه.
والغيرة على ثلاث درجات:
الأولى: غيرة العبد على ما ضاع عليه من عمل صالح، فهو يسترد ضياعه بأمثاله، ويجبر ما فاته من الأوراد والنوافل وسائر القرب بفعل أمثالها من جنسها وغير جنسها، فيقضي ما ينفع فيه القضاء، ويعوض ما يلزم فيه العوض، ويجبر ما يمكن جبره.
ويستدرك ما فاته من أداء الحقوق والواجبات، ويتدارك قواه ببذلها في الطاعة قبل أن تتبدل بالضعف، فهو يغار عليها أن تذهب في غير طاعة الله.
ويتدارك قوى العمل الذي لحقه الفتور عنه غيرة له وعليه.
الثانية: غيرة العبد على فوات الأوقات، فالوقت أعز شيء عليه، يغار عليه أن ينقضي بدون عمل صالح، فإذا فاته الوقت لا يمكن استدراكه البتة؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص، فإذا فاته وقت فلا سبيل له إلى تداركه، وهي غيرة قاتلة؛ لأن حسرة الفوت قاتلة، والاشتغال بالنوم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر، والوقت منقضٍ بذاته، فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، واشتدت حسراته.
الثالثة: غيرة العبد على بصيرة غطاها ستر أو حجاب عن ربه، أو يتعلق برجاء من ثواب منفصل، ولم يتعلق بإرادة الله ومحبته، أو يلتفت إلى عطاء من دون الله فيرضى به، ولا ينبغي أن يتعلق إلا بالله، ولا يلتفت إلا إلى المعطي الغني الحميد، وهو الله وحده.