قال الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)} [الحديد: ٣].
الله تبارك وتعالى هو الآخر، الذي لا انتهاء لوجوده، الباقي بعد فناء الخلق. وليس معنى الآخر ما له الانتهاء، كما ليس معنى الأول ما له الابتداء.
فهو جل جلاله الأول والآخر، وليس لكونه ووجوده أول ولا آخر.
وهو سبحانه الأول والآخر، وإليه يرجع الأمر كله، فهو سبحانه أول كل شيء وآخره، وله الأمر من قبل ومن بعد، وكما أنه رب كل شيء وفاعله، وخالقه وبارئه، فهو إلهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح إلا بعبادته.
فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات، والآخر الذي انتهت إليه عبوديتها ومحبتها.
فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد، كما أنه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ.
وعبادة الله عزَّ وجلَّ باسمه الآخر تقتضي عدم ركون العبد إلى الأسباب، والوقوف معها، فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي، ويبقى الدائم الباقي بعدها.
فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلق بالمولى الكريم حقيق أن لا يشقى ولا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به.
فهو سبحانه الأول الذي كان قبل الأسباب والمخلوقات كلها، وهو الآخر الذي يبقى بعد الأسباب والمخلوقات كلها، فكان الله ولم يكن شيء غيره، وكل شيء هالك إلا وجهه كما قال سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو