للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦ - فقه الغربة]

قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)} [هود: ١١٦].

وقال النبي (: «إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا» أخرجه مسلم (١).

الغربة ثلاثة أنواع:

الأولى: غربة أهل الله، وأهل سنة رسول الله (بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسول الله (أهلها، وهي الغربة التي تكون في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، وبين قوم دون قوم.

وأهل هذه الغربة هم أهل الله حقاً، فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله (، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به.

فهذه الغربة لا وحشة على أهلها لا في الدنيا ولا في الآخره، فوليهم الله ورسوله والذين آمنوا، وإن عاداهم أكثر الناس وجفوهم.

ومن هؤلاء الغرباء مَنْ ذكرهم النبي (بقوله:

«رُبَّ أشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأبْوَابِ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ» أخرجه مسلم (٢).

والمؤمن حقاً في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، للناس حال، وله حال.

ومن صفات هؤلاء التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله تعالى ورسوله (.

وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم،


(١) أخرجه مسلم برقم (١٤٦).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٦٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>