فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة، ومفارقة للسواد الأعظم، وهم النُّزَّاعُ من القبائل.
تغربوا عن قبائلهم وعن بلادهم فراراً بدينهم، وإعلاء لكلمة ربهم.
فطوبى لهؤلاء الغرباء الذين يَصْلحون إذا فسد الناس، ويُصْلحون ما أفسد الناس: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)} ... [الأحزاب: ٣٩].
والإسلام الحق اليوم هو أشد غربة منه في أول الإسلام، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة.
فالإسلام الحقيقي غريب جداً، وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس، فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون.
فأهل الإسلام في الناس غرباء .. والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء .. وأهل العلم في المؤمنين غرباء .. وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع غرباء .. والداعون إليها، الصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة.
ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فمن أراد أن يسلك هذا الصراط المستقيم فليوطِّن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم في سيرته، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع نبيه وإمامه - صلى الله عليه وسلم -.
فما أشد حال أهل هذه الغربة؟
وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنين وسبعين فرقة، ذات أتباع ورئاسات وولايات ومناصب، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول (، فالواحد من هؤلاء الغرباء غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من الناس مساعداً ولا معيناً فهو عالم بين جهال، صاحب سنة بين أهل بدعة، داع إلى الله ورسوله بين دعاة أهل الأهواء والبدع، وآمر بالمعروف وناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر، والمنكر لديهم معروف، والهدى ضلالة، والضلالة هدى.