الثانية: غربة مذمومة، وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق، فهي غربة بين حزب الله المفلحين.
فهؤلاء وإن كثروا فهم غرباء على كثرة أصحابهم، أهل وحشة على كثرة مؤنسيهم.
الثالثة: غربة مشتركة، فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء، فإنها ليست لهم بدار مقام، ولا هي الدار التي خلقوا لها، كما بين ذلك النبي (: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» أخرجه البخاري (١).
والاغتراب أمر يشار به إلى الانفراد عن الأكفاء، فكل من انفرد بوصف شريف دون أبناء جنسه فإنه غريب بينهم؛ لعدم مشاركته أو لقلته.
ولما كانت الغربة هي الانفراد، والانفراد إما بالجسم وإما بالقصد والحال، وإما بهما، كان الغريب غريب جسم، وغريب قلب وإرادة، أو غريباً بالاعتبارين.
فالغربة على ثلاث درجات:
غربة عن الأوطان .. وغربة الحال .. وغربة الهمة.
فالغربة الأولى غربة بالأبدان.
والثانية: غربة بالأفعال والأحوال، والمراد به العالم بالحق العامل به الداعي إليه، وهذا من الغرباء الذين طوبى لهم، فهو صاحب صدق واخلاص بين أهل الكذب والنفاق.
والثالثة: غربة بالهمة، وهي غربة طلب الحق سبحانه.
فإن همة العارف حائمة حول من يعرف، فهو غريب بين أبناء الآخرة، فضلاً عن أبناء الدنيا، لا يشغله عن مطلوبه ومحبوبه شاغل إلا ما ارتضاه محبوبه.