معرفة العبد لأسماء الله وصفاته، وجلاله وجماله، وبره وإحسانه، ولطفه ورحمته، يوجب له قربه من ربه سبحانه، وقربه منه يوجب له الأنس به، والمحبة له، والهيبة منه.
والأنس ثمرة المحبة والطاعة، فكل عبد مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش.
والقلوب المشرقة بنور الأنس بالله تستحلي الذكر، وتستأنس به، طلباً للاستئناس بالمذكور، وتتغذى بسماع القرآن كما تتغذى وتتلذذ الأجسام بالطعام والشراب.
فإذا كان العبد محباً صادقاً، طالباً لله، عاملاً على مرضاته، كان غذاؤه بسماع القرآن، ولذته بتلاوته، والتفكر في معانيه ومواعظه، والعمل بأحكامه، والتأدب بآدابه.
وهذا الغذاء له لذة روحانية يصل نعيمها إلى القلوب والأرواح، وإن كان منحرفاً فاسد الحال مغروراً مخدوعاً كان غذاؤه بالسماع الشيطاني الذي هو قرآن الشيطان، المشتمل على الفحش والفجور ونحو ذلك من محاب النفوس ولذاتها، وحظوظها، وأصحابه أبعد الخلق من الله عزَّ وجلَّ.
وما أحسن القلوب الصافية الخالية من كدر الشرك والنفاق والبدعة والمعصية، المملوءة بنور العلم والإيمان والطاعات: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨)} [البقرة: ١٣٨].