فمن ذاق حلاوة الإيمان بمعرفة الله، والقرب منه، والأنس به، لم يكن له أمل في غيره، وإن تعلق أمله بسواه فهو لإعانته على مرضاته ومحابه، فهو يؤمله لأجله، لا يؤمله معه.
والذي يقطع هذا الأمل قوة رغبته في المطلب الأعلى، الذي ليس شيء أعلى منه، ومعرفة خسة الدنيا وسرعة زوالها، فإن نعيم الدنيا بحذافيرها جنب نعيم الآخرة أقل من ذرة بجنب جبال الدنيا، ويسير من رضوانه سبحانه-ولا يقال له يسير- أكبر من الجنات وما فيها، فلا تعوق العبد أمنية عن سيره إلى ربه.
الثانية: ذوق العبد طعم الأنس بالله، والأنس به سبحانه أعلى من الأنس بما يرجوه العبد من نعيم الجنة.
فإذا ذاق العبد طعم الأنس بالله جد في إرادته وطاعته، والأنس به، فلا يتعلق به شاغل، ولا يشغله عن سيره إلى الله؛ لشدة طلبه الباعث عليه أنسه، الذي قد ذاق طعمه، وتلذذ بحلاوته لدوام ذكره، وصدق محبته، وإحسان عمله.
وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب من ربه، ولا يفسده عارض، والعارض ما سوى الله، وإرادة السوي وإن علا تحجب عن الله، وبقدر إرادتك لغيره تحجب عنه.
الثالثة: ذوق صاحب البعد طعم القرب.
فالبعد: أنس القلب بغير الله تعالى، والالتفات إلى ما سواه.
والقرب: تجريد التعلق به وحده، والانقطاع عما سواه.
وذوق صاحب الهمة طعم مناجاة الله، والأنس به، ومحبته، والقرب منه، حتى كأنه يخاطبه ويعتذر إليه، ويتملقه تارة، ويثني عليه تارة، حتى يبقى القلب ناطقاً، وإن كان اللسان ساكتاً و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)} [الحديد: ٢١].