أول ما خلق الله تبارك وتعالى العرش، ثم خلق القلم، وكتب به المقادير قبل كونها، وخلق آدم آخر المخلوقات، تمهيداً للدار قبل الساكن.
ولكرامته على خالقه، هيأ له مصالحه وحوائجه وأسباب حياته قبل خلقه.
وخلق آدم من أعظم الآيات، فقد جمع الله ما فرقه في العالم في خلق آدم، فهو العالم الصغير، وفيه ما في العالم الكبير، وهو خلاصة الوجود وثمرته.
والنفوس تتطلع دائماً إلى النهايات .. والله عزَّ وجلَّ أخَّر أفضل الكتب .. وأفضل الرسل .. وأفضل الشرائع .. وأفضل الأمم إلى آخر الزمان .. وجعل الآخرة خيراً من الأولى.
فلما افتتح الله عزَّ وجلَّ خلق هذا العالم بالقلم، كان من أحسن المناسبة أن يختمه بخلق الإنسان.
فإن القلم آلة العلم، والإنسان هو العالم.
ولهذا أظهر الله فضل آدم على الملائكة بالعلم الذي خصه به دونهم.
وقد خلق الله جل جلاله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، إظهاراً لشرفه، وأسكنه جنته.
ولما تم خلقه في أحسن تقويم، وظهر كمال آدم على غيره، جرى قدر الله بالذنب، ليتبين أثر العبودية في الذل، وما زالت تلك الأكلة من الشجرة تعاوده وتخيفه، حتى استولى داؤه على أولاده.
فأرسل إليهم اللطيف الخبير الدواء على أيدي من اختارهم، واصطفاهم