وقوة الغضب محلها القلب، وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها، وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها، والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها، ولا تسكن إلا به.
والغضب شعلة نار من نار الله الموقدة، وهي مستكنَّة في الفؤاد، ويستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كاستخراج الحجر النار من الحديد، والشيطان أقدر ما يكن على ابن آدم حين يغضب.
ومن نتائج الغضب الحقد والحسد، وبهما هلك من هلك، وفسد من فسد.
والحلم مفتاح كل خير، والغضب مفتاح كل شر، يصير صاحبه إلى ذلة الاعتذار.
وقد خلق الله سبحانه طبيعة الغضب من النار، وغرزها في الإنسان، فمهما صد عن غرض من أغراضه وحوائجه اشتعلت نار الغضب، وثارت ثوراناً يغلي به دم القلب، ثم ينتشر في العروق، ثم يرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار، وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين، والبشرة لصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم.
وإنما ينبسط الدم وينتشر إذا غضب الإنسان على من دونه، واستشعر القدرة عليه، فإن صدر الغضب على من فوقه، وكان معه يأس من الانتقام، تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، وصار حزناً، ولذلك يصفر اللون.
وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمر