الله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان في أحسن تقويم، وعلَّمه البيان، وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله، ثم أمده بلسان يترجم به عما حواه قلبه وعقله.
واللسان من نعم الله العظيمة، فهو صغير جرمه، عظيم نفعه، وعظيم جُرمه، رحب الميدان:
له في الخير مجال رحب .. وله في الشر مجال رحب.
فمن أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخي العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.
ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.
وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مؤنة في تحريكه، وأكثر الأخطار والشرور من طريقه.
فخطر اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الشرع الصمت وحث عليه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ». قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ