على أخذ العباد بالعذاب من حيث شاء، وكيف شاء، إذا عصوه وتركوا عبادته، فيستأصلهم ويدمرهم فوراً.
والله سبحانه قادر على أن يعذبهم بعذاب بطيء طويل، لا ينهي أمرهم كله في لحظة، ولكنه يصاحبهم ويساكنهم ويعايشهم بالليل والنهار، فيلبسهم شيعاً، ويذيق بعضهم بأس بعض، وهي صورة من العذاب المقيم الطويل المديد، الذي يذوقونه بأيديهم، ويجرعونه لأنفسهم، إذ يجعلهم شيعاً وأحزاباً متداخلة لا يتميز بعضها من بعض، ولا يفاصل بعضها بعضاً.
فهي أبداً في جدال وصراع وفي خصومة ونزاع، وفي بلاء يصيب هذا الفريق أو ذاك، والله على كل شيء قدير، وهو بالناس رؤوف رحيم، وما ربك بظلام للعبيد: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥)} [الأنعام: ٦٥].
وقد عرفت البشرية في فترات كثيرة ذلك اللون من العذاب كلما انحرفت عن منهج الله، وتركت لأهواء البشر وشهواتهم ونزواتهم تصريف الحياة وفق تلك الأهواء والنزوات والشهوات والجهالات.
وقد جاء ذلك صريحاً في القرآن في قصص الأنبياء، فنزلت بالأمم السابقة عقوبات متنوعة على جرائم مختلفة، كلما انحرف الناس عن منهج الله.
والعالم اليوم يعيش في هذا العذاب البطيء المديد، بسبب إعراض أكثر المسلمين عن منهج الله، وكلما تخبط الناس وهم يصنعون أنظمة للحياة، وقوانين من عند أنفسهم يستعبد بها الناس بعضهم بعضاً، ويريد بعضهم أن يخضع لأنظمته وأوضاعه وقوانينه البعض الآخر.
والبعض الآخر يأبى ويعارض، وأولئك يبطشون بمن يأبى ويعارض، فيتصارعون فيما بينهم، ويذوق بعضهم بأس بعض، ويحقد بعضهم على بعض، وينكر بعضهم بعضاً، لآنهم لا يفيئون إلى منهج واحد، وضعه لهم المعبود