فما حصلت المطالب إلا بالتوحيد، ولا دفعت الشدائد إلا بالتوحيد، ولا ظفر بالجنة إلا بالتوحيد، ولا نجاة من النار إلا بالتوحيد، ولا يلقي في الكرب العظام إلا الشرك، ولا ينجي منها إلا التوحيد، فالتوحيد مفزع الخلائق كلها، وهو ملجؤها وحصنها وغياثها.
ولله عزَّ وجلَّ على كل عبد ثلاثة أمور:
أمر يأمره به .. وقضاء يقضيه عليه .. ونعم ينعم بها عليه.
فواجبه في الأمر الطاعة .. وواجبه في القضاء الصبر .. وواجبه في النعم الشكر .. وهو لا ينفك عن هذه الثلاثة.
والتقصير والغفلة والنسيان من طبيعة البشر، فلا بدَّ له مع تلك الثلاثة من الاستغفار الكثير المستمر، لعظمة حجم النقص، والتقصير في حق الرب.
والقضاء نوعان:
إما مصائب .. وإما معائب.
وأحب الخلق إلى الله، وأقربهم إليه، من عرف عبوديته في هذه المراتب ووفاها حقها، وأبعدهم منه من جهل عبوديته في هذه المراتب كلها. فعبوديته في الأمر امتثاله إخلاصاً واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وعبوديته في النهي اجتنابه خوفاً من الله، وإجلالاً له، وحياءً منه، ومحبة له.
وعبوديته في قضاء المصائب الصبر عليها، ثم الرضا بها، وهو أعلى منه، ثم الشكر عليها، وهو أعلى من الرضا.
وهذا إنما يتأتى منه إذا تمكن حب الله من قلبه، وعلم حسن اختياره له، وبره به، ولطفه به، وإحسانه إليه بالمصيبة وإن كرهها.
وعبوديته في قضاء المعائب المبادرة إلى التوبة منها، ووقوفه أمام ربه في مقام الاعتذار والانكسار، مستيقناً أنه لا يرفعها إلا هو، ولا يقيه شرَّها سواه، وأنها إن استمرت أبعدته من قربه، وطردته من بابه.
فيراها من الضر الذي لا يكشفه غيره، حتى إنه ليراها أعظم من ضر البدن، فهو