والأشياء كالأحياء، كلها ذات آجال وأعمار في كتاب الله كالإنسان، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم.
فما أعظم خالق هذا الكون، وما أعظم قدرته، وما أوسع علمه.
إن تصور هذا الكون، وما فيه من المخلوقات العظيمة، يوقظ القلب إلى تدبر هذا الكون بحس جديد، وأسلوب جديد.
وإن القلب الذي يبصر يد الله وعينه وعلمه على كل شيء بمثل هذه الدقة والرقابة، ليصعب عليه أن ينسى أو يغفل أو يضل، وهو حيثما تلفت واتجه، رأى الخالق والمخلوق، والمصور والصور، ووجد علم الله محيطاً بكل شيء، ورحمته وسعت كل شيء.
إن تصور معية الله لكل أحد، وفي كل حالة، أمر جليل رهيب، إنها حالة تهز القلوب، لا يثبت لها قلب، ولا يقوى على مواجهتها إلا وهو يرتعش ويهتز خوفاً، وحياءً، وأنساً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)} [المجادلة: ٧].
إن مجرد معية الله لكل إنسان ومراقبته ظاهره وباطنه أمر هائل، فكيف إذا كان يتبع ذلك حساب وعقاب؟، وكيف إذا كان ما يُسرُّه المتناجون ويخفونه سيعرض على الأشهاد يوم القيامة؟.
إن الله جل جلاله هو الذي خلق البشر كلهم، وعلمهم من العلم ما لم يكونوا يعلمون: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)} [النحل: ٧٨].
إن جميع ما أعطى الله البشرية من العلم، لو جمع كله لفرد، ثم كانت البشرية كلها على علم ذلك الفرد، لكان ذلك كله بالنسبة للعلم الإلهي أصغر من الخردلة بالنسبة للجبل، ولا ينقص ذلك العلم من علم الله إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.