للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل كلما كانت محبة عبده له أقوى، كانت محبة الله له أكمل وأتم، فلا أحد أحب إليه ممن يحبه ويحمده ويثني عليه.

ومن أجل ذلك كان الشرك أبغض شيء إليه، لأنه ينقص هذه المحبة، ويجعلها بينه وبين من أشرك به.

ولا ريب أن هذا من أعظم ذنوب المحب عند محبوبه التي يسقط بها من عينه، وتنقص بها مرتبته عنده، إذا كان من المخلوقين.

فكيف يحتمل رب العالمين أن يشرك بينه وبين غيره في المحبة، والمخلوق لا يحتمل ذلك، ولا يرضى به، ولا يغفر هذا الذنب لمحبه أبداً؟.

ومتى علم بأنه يحب غيره كما يحبه لم يغفر له هذا الذنب، ولم يقربه إليه، هذا مقتضى الطبيعة والفطرة.

أفلا يستحي العبد أن يسوي بين إلهه ومعبوده، وبين غيره في هذه العبودية والمحبة؟.

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٦].

فما أجهل الإنسان وما أضله حين يعبد من دون الله أصناماً ناقصة في ذاتها وفي أفعالها، فلا تسمع ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعاً ولا ضراً؟.

بل لا تملك لنفسها شيئاً من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، كما قال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مهجناً لأبيه عبادة الأوثان: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢)} [مريم: ٤٢].

فهذا برهان جلي يدل على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله وأحواله مستقبح عقلاً وشرعاً .. فهل يليق بالإنسان عبادته، وترك عبادة الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؟.

ومن شناعة الشرك وقبحه أن الحيوانات اشمأزت منه، فالهدهد جاء إلى نبي الله سليمان - صلى الله عليه وسلم -، وأخبره بما رأى من الشرك، وصار داعياً إلى التوحيد، فقد ذهب الهدهد إلى مملكة سبأ، فلما جاء إلى سليمان قال له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>