أهلية المحل وعدمها، فهو سبحانه خالق المحال متفاوتة في الاستعداد والقبول أعظم تفاوت.
فالجمادات لا تقبل ما يقبله الحيوان، والنوعان متفاوتان في القبول.
فالحيوان الناطق يقبل ما لا يقبله البهيم، وهو متفاوت في القبول أعظم تفاوت.
وكذلك الحيوان البهيم متفاوت في القبول أعظم تفاوت، لكنه أقل من النوع الإنساني.
فإذا كان المحل قابلاً للنعمة .. بحيث يعرفها .. ويعرف قدرها وخطرها .. ويشكر المنعم بها .. ويثني عليه بها .. ويعظمه عليها، ويعلم أنها من محض الجود .. وعين المنَّة .. من غير أن يكون هو مستحقاً لها.
بل هي لله وحده، ومنه وبه وحده، فوحده بنعمته إخلاصاً، وصرفها في محبته شكراً.
وشهدها من محض جوده سبحانه، وعرف قصوره وتقصيره في شكرها عجزاً وضعفاً وتفريطاً.
وعلم أن الله إن أدامها عليه فذلك محض فضله وصدقته وإحسانه.
وإن سلبه إياها قهراً فهو أهل لذلك مستحق له.
وكلما زاده الله من نعمه، ازداد ذلاً له وانكساراً، وقياماً بشكره، وخشية له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيقه شكرها، كما سلب نعمته من لم يعرفها ولم يرعها حق رعايتها.
فإن لم يشكر نعمته سبحانه، وقابلها بضد ما يليق أن يقابل به سبحانه، سلبه إياها ولا بدَّ كما قال عزَّ وجلَّ: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)} [الأنعام: ٥٣].
وسبب الخذلان عدم صلاحية المحل وأهليته وقبوله للنعمة، بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه كما قال سبحانه عن