فجعل الطيبين أهل جواره، ومساكنته في داره دار السلام.
وجعل الخبيثين في دار الخبث والخبثاء والأشقياء دار البوار.
وأراد سبحانه أن يظهر لعباده وخلقه وملائكته، ما جعله في الأرض من خواص خلقه ورسله وأنبيائه وأوليائه، ومن يتقرب إليه، ويبذل نفسه في مرضاته ومحبته، مع مجاهدة شهوته وهواه ابتغاء مرضاته، لا كمن يعبده من غير معارض له، ولا شهوة تعتريه، ولا عدو سلط عليه كالملائكة.
وأيضا فإنه سبحانه أراد أن يظهر ما خفى على خلقه من شأن عدوه إبليس، ومحاربته له، وتكبره عن أمره، وسعيه في خلاف مرضاته.
وهذا وهذا كانا كامنين مستترين في أبي البشر آدم - صلى الله عليه وسلم -، وفي أبي الجن إبليس، فأنزلهم إلى دار أظهر فيها ما كان الله سبحانه منفرداً بعلمه، لا يعلمه سواه، وظهرت حكمته وتم أمره، وظهر للملائكة من علمه ما لم يكونوا يعلمون.
وكذلك الله سبحانه لما كان يحب الصابرين، ويحب المحسنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الشاكرين، ويحب المتقين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً، وكانت محبته أعلى أنواع الكرامات.
اقتضت حكمته أن أسكن آدم وذريته داراً يأتون بها بهذه الصفات التي ينالون بها أعلى الكرامات من محبته، فكان إنزالهم إلى الأرض من أعظم النعم عليهم.
وأيضاً فإنه سبحانه أراد أن يتخذ من بني آدم ذرية يواليهم ويودهم، ويحبهم ويحبونه، فمحبته لهم هي غاية كمالهم وشرفهم.
ولا يتحقق لهم ذلك إلا بموافقة رضاه، واتباع أمره، واجتناب ما يكره.
فأنزلهم داراً أمرهم فيها ونهاهم، ليقوموا بامتثال أمره، واجتناب نهيه، فينالوا درجة محبتهم له، ومحبته لهم.