للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النعم لم يحصل إلا من الله، فغاية الإنعام من الله، والعبادة غاية التعظيم، وغاية التعظيم لا تليق إلا بمن صدرت عنه غاية الإنعام، وهو الله عزَّ وجلَّ، فثبت أن المستحق للعبادة ليس إلا الله تعالى.

والله سبحانه هو الإله الحق الذي سكنت إليه العقول، واطمأنت بذكره القلوب، والأرواح لا تعرج إلا بمعرفته، فهو الإله الحق الكامل لذاته، وما سوى الحق فهو ناقص لذاته، وإذا كان الكامل محبوباً لذاته، وثبت أن الله كامل لذاته، وجب كونه محبوباً لذاته، مستحقاً للعبادة وحده دون سواه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} [الرعد: ٢٨].

فيا سعادة من وصل إلى ساحل بحر معرفته، ورأى عظمة ذاته وأسمائه وصفاته، وأبصر جماله وجلاله وكماله، وشاهد آلاءه وإحسانه وأفعاله.

فمجَّده بلسانه، وعظَّمه في قلبه، وشكره بجوارحه، وتلذَّذ بعبادته وطاعته.

والله سبحانه هو النور، وحجابه النور، احتجب عن العقول بشدة ظهوره، واختفى عنها بكمال نوره.

عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ قال:

«نُورٌ أنَّى أرَاهُ» أخرجه مسلم (١).

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عزَّ وجلَّ: «حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» أخرجه مسلم (٢).

والله سبحانه هو المألوه المعبود المحبوب، والعباد مولهون مولعون بالتضرع إليه في جميع الأحوال، فالإنسان إذا وقع في بلاء عظيم وآفة قوية، فهنالك ينسى كل شيء إلا الله تعالى، فيتوجه إليه، فإذا تخلص من ذلك البلاء، وعاد إلى منازل الآلاء والنعماء، أشرك مع الله غيره، ونسب ذلك الخلاص إلى الأسباب وهذا متناقض، لأن الله تعالى هو الذي يفرج الكربات وقت البلاء،


(١) أخرجه مسلم برقم (١٧٨).
(٢) أخرجه مسلم برقم (١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>