وصلاح العالم وفساده يكون بحسب حركة الإنسان في الحياة، إذ هو قلب العالم ولبه، وصلاح بدن الإنسان وفساده قائم على صلاح القلب وفساده كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا إنَّ حِمَى اللهِ فِي أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه (١).
والقلب هو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه، وإذا عرف نفسه عرف ربَّه، وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه، ومن جهل نفسه فقد جهل ربَّه، ومن عرف ربه فقد عرف كل شيء، ومن جهل ربه فقد جهل كل شيء.
ومن جهل قلبه فهو بغيره أجهل، وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وربهم، وقد حيل بينهم وبين أنفسهم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤].
وحيلولته: بأن يمنعه سبحانه عن مشاهدته ومراقبته، ومعرفة أسمائه وصفاته.
وكيفية تقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن، أنه كيف يهوي مرة إلى أسفل سافلين، وينخفض إلى رتبة الشياطين، وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين، ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين.
وحاجة القلب إلى معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله أعظم من حاجة البدن إلى الطعام والشراب.
بل نسبة حاجات القلب إلى الإيمان، ومعرفة الله عزَّ وجلَّ، وحاجات البدن للطعام والشراب كالذرة بالنسبة للجبل، والقطرة بالنسبة للبحر.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٢)، ومسلم برقم (١٥٩٩).