كما خلق سبحانه كل عضو من أعضائه لأمر من الأمور وعمل من الأعمال فاليد للبطش، والرجل للسعي، واللسان للنطق، والفم للأكل، والأنف للشم، وكذلك سائر الأعضاء الظاهرة والباطنة، لكل وظيفة وحكمة.
فإذا استعمل الإنسان العضو فيما خلق له، وأعد لأجله فذلك هو الحق، وكان ذلك خيراً وصلاحاً لذلك العضو ولربه، وللشيء الذي استعمل فيه.
وإذا لم يستعمل العضو في حقه، بل ترك بطالاً، فذلك خسران، وصاحبه مغبون، وإن استعمل في خلاف ما خلق له فهو الضلال والهلاك، وصاحبه من الذين بدلوا نعمة الله كفراً.
وسيد الأعضاء، ورأسها وملكها هو القلب، والفكر للقلب كالإصغاء للأذن.
وصلاح القلب وحقه والذي خلق من أجله، هو أن يعقل الأشياء:
فيعرف ربه ومعبوده وفاطره .. وما ينفعه وما يضره .. وما يصلحه وما يفسده .. ويعرف أسباب النجاة وأسباب الهلاك .. ويميز بين هذا وهذا .. ويختار ما ينفعه وما يصلحه .. ويعتصم بالله .. ولا يلتفت إلى ما سواه.
والناس متفاوتون في الخلق .. ومتفاوتون في عقلهم الأشياء .. من بين كامل وناقص، وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير .. وجيد ورديء.