وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، كلاهما مطلوب، لكن الأول أساسي للثاني، والثاني مظهره وعلامته، لكنه لا يقبل بدونه.
وإنما خص الله أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح، لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فلولا إرادة القلب لم تحصل أفعال الجوارح ولهذا قال سبحانه: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)} [العاديات: ٩ - ١١].
وجعل الله القلوب الأصل في المدح كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} [الأنفال: ٢].
وجعلها الأصل في الذم كما قال سبحانه:{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة: ٢٨٣].
وأعظم المخلوقات، وأنزهها وأطهرها، وأنورها وأشرفها، وأعلاها ذاتًا وقدرًا، وأكرمها وأوسعها، عرش الرحمن جل جلاله، ولذلك صلح لاستوائه عليه.
وكل ما كان أقرب إلى العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه، ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان، وأشرفها وأنورها وأجلها، لقربها من عرش الرحمن إذ هو سقفها.
وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة، وأضيقها وأبعدها من كل خير، وهي النار.
وقد خلق الله عزَّ وجلَّ القلوب، وجعلها محلاً لمعرفته ومحبته وإرادته، فهي عرش المثل الأعلى الذي هو معرفة الله ومحبته وإرادته كما قال سبحانه: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)} [النحل: ٦٠].
والقلب إن لم يكن أطهر الأشياء وأنزهها وأطيبها، لم يصلح لاستواء المثل الأعلى عليه معرفة ومحبة وإرادة، وإلا استوى عليه مثل الدنيا الأسفل ومحبتها